ظلت فكرة الرجوع إلى الأصل مطلبا أثيرا لمبتدأ الحداثة قبل أن تستهوي التنوير أقاصيص قطائع لا تستثني مجالا..هنا بات الحديث عن الرجوع أمرا مستهجنا..كانت النزعة التّاريخية تكفر بالحنين..فالمستقبل يوجد أمامنا..والتاريخ حكاية لا تعود..كان هدف ثورات التأريخ أن ترسم مسارا للإنسان لا رجعة فيه.. السّبات التاريخي مما أخّر فعل التمرد على أسطورة الأزمنة التّاريخانية..تستطيع عقولنا بواسطة الذكاء الإصطناعي أن تحقق طفرات إلى الأمام وإلى الخلف..أن تستوحي من سحر الماضي الكثير من الصور التي يحتاجها المستقبل..لا زال عقل الكائن منشغلا بصور الماضي..الذاكرة الجماعية الموغلة في القدم حدّ اللاّوعينة..جزء من التحرر المنشود، تحررنا، ينبغي أن يتجه نحو المقولات الغلاظ التي سجنّا أنفسنا داخلها..ونحبّ نحن البشر أن نكتفي بقلب الطاولة في وجه المفاهيم ثم ندخل في سبات البدائل الشعرية..وبات صعبا أن نتحدث عن أساطيرنا التي صغنا من خلالها أوهاما حول تطوّر العقل البشري..كل جيل من المفاهيم، يسحب الاعتراف بما قبله..وتنتهك الأنساق بعضها بعضا..ولكنّنا لا نفعل أكثر من العناد ضد الحقيقة الوحيدة التي ننكرها، وهي أنّنا لا نستحضر أنفسنا ضمن التاريخ الذي ننتمي إليه، أو بالأحرى لا نستدعي التاريخ الذي ندين له بنمطية وجودنا، بل عادة ما نستدعي تاريخا نصطنعه خارج تموضعات الأحداث..تاريخ بديل يجعل مصير وجودنا رهين بالزيف..لأننا لم نكتشف بعد وجودنا..نحن ننطق داخل وجود اصطنعناه لأنفسنا لأنّنا نرفض تموضع الحقيقة وتعاليها لتصبح قابلة للقسمة العادلة بين العقول..فالحقيقة التي نصنعها نحن نتحكم بها ونهرب من خلالها من الحقيقة الحقّة..يهرب الكائن في وهم من الوجود..ووهم من الأحاسيس..ووهم من المعقول..إنّه يشعر أنّه دون عناء اختبار الوجود الحق..يخشى الكائن من الوجود لأنه مثقل بذاكرة جماعية لا يتحملها الكائن..يخشى من الوعي بالوجود لأنه وعي مؤلم وله تبعات..يريد أن يحيى فحسب..أن يحيى الوجود من دون دفتر تحمّلات..ينسى الكائن، وتلك هي استراتيجيته في مباشرة الوجود، أن وجوده يفرض عليه مسؤوليات..فتبدأ عبثية الانوجاد..أوهامنا كثيرة وإن كنّا بها نحيا..ومنها وهم الأزمنة التي وزعناها كما يتم توزيعها في لعبة الورق..لعبة التحقيب..والزمان..والوجود..والحركة..
يقولون لا نريد الرجوع إلى القرون الوسطى...ما أغبى هذا الاعتراض إذا نظرنا إليه من وجهة نظر فيزياء الزمان..يجهل هؤلاء المتعبّدون في القول الشعري للحداثة أنّنا لو عدنا إلى القرون الوسطى نكون قد حققنا معجزة الفيزياء من جهة ومن جهة أخرى نستطيع إعادة إخراج الحداثة من دون أوهام...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat