قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (5)
احمد كاظم الاكوش
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد كاظم الاكوش

زواج المتعة.
يتطرق الأستاذ العلوي إلى موضوع الزواج المنقطع تحت عنوان (تحريم زواج المتعة) وهو ينظر إلى هذا الأمر من منظار ضيق ومن منطلق قبلي, ويتحدث عنه بمنطق قبلي عشائري لا يمت إلى واقع التشريع والحكمة الإلهة بصلة إطلاقا.
فهو يقول (.. أرى في المتعة مشهداً لا يتقبله العرف العام، والذوق العام، والشرف العام، والتقليد العام، إذ لا يعقل أن أرى رجلاً مع شقيقتي يتغير ثلاث مرات بالسنة، إذا كان زواج المتعة بشروطه وعدته، وإلاّ فالخارجون على الشروط يمكن لهم أن يروا مئة رجل لشقيقة واحدة في العام الواحد!. فإذا كان ذلك مقبولاً في الشرع، فلست ممن يتقيد بهذا الحلال. وهذه مسألة اجتماعية لا أقترب فيها من نص يحللها أو يحرمها، ولو كان محرّمها من أهل الجاهلية. لما تغير في الأمر شيء ولأتبعته عرب الحاضر، عن طيب خاطر، مادام ذلك نابعاً من طبيعة المجتمع وأخلاقياته التي درج عليها، ولِمَ لا والكثير من محرّمات الجاهلية، بقيت على حالها في الإسلام؟.).
زواج المتعة جائز شرعا ونحن متفقون على ذالك إلا أن الإشكال الموجه إلى هذا الزواج أن المجتمع القبلي والعرف العشائري يحرّم هذا الزواج. وإذا أريد أن يطرح هذا الموضوع في الأوساط العشائرية فقد يكون السؤال التالي مرتبط بالموضوع, فيطرح على الشيعة - باعتبار أن الشيعة يحللون هذا الزواج إلى اليوم - سؤال بخصوص المتعة وهو هل ترضونها لأهلكم هل ترضونها لأعراضكم.., أو قد يكون تطبيقه من الناحية العملية يتسبب في الكثير من المشاكل الاجتماعية...؟!!
ونقول أن جوازه شرعا لا يناط برضا زيد وعمرو فلو كنت أنت غير راض بزواج أختك الدائم هل يبطل زواجها بذلك؟ فالسؤال لا مورد له، والمتعة لا تسبب مشاكل بل تحل كثيرا من المشاكل لو أنصف الحكم.
كما أن رضا الناس أو عدم رضاهم ليس له علاقة بالتشريع, فهناك من الناس من يرفض الزواج الدائم وهذا يرجع إلى مصلحة الفرد أو مضرته الشخصية. إلا انه رحمة رحم الله بها امة محمد كما يقول ابن عباس. وقال الزهري: ازداد الناس لها مقتا حين قال الشاعر:
قال المحدث لما طال مجلســــــــه ** يا صاح هل لك في فتيا بن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** تكون مثواك حتى مرجع الناس
أن هذا المفهوم لدى عقول العامة من الناس الذي يخدش المفهوم الأصيل للزواج المنقطع كان نتيجة الإعلام ضد هذا الزواج والتشريع الإلهي الذي نص عليه الله سبحانه في محكم كتابه العزيز, فعششت تلك الترهات والأراجيف في عقول السذج من الناس من ما قيل وما يقال إلى الآن ضد ذالك التشريع الإلهي. وقد لعب الإعلام المعادي دورا كبيرا في التركيز على حرمة هذا الزواج و تشويه معالمه لدى عامة المسلمين, فلو لم يشوه ولم يحرم طوال عدة قرون من الزمن, لما زنى إلا الشقي كما يقول علي وابن عباس وغيرهم, ولحفظت النواميس من أن تتلاعب بها أيدي آثمة لمجموعة من المحرفين.
ومن خلال ذالك تكونت عدة مؤاخذات على الزواج المنقطع نتيجة لتلك المقدمة المشوهة لفهم الناس او التضليل على ذالك التشريع ونحن نذكر بعض تلك المؤاخذات التي تطرح ونجيب عنها بشكل مختصر ومنها:-
1. ربما يقال : ما الفرق بين (الزواج المؤقت) و(الزنا)، أليس كلاهما بيع للجسد لقاء دفع مبلغ معين، وفي الحقيقة ليس وصف الزواج المؤقت سوى ستار على وجه الفحشاء والزنا، نعم غاية الفرق بين الأمرين هو إجراء ما يسمى بالصيغة، وهي ليست سوى عبارة بسيطة؟!.
والجواب هو: إن الذين يرددون هذا الكلام كأنهم لم يطلعوا أصلا على مفهوم الزواج المؤقت وحقيقته، لأن الزواج المؤقت ليس عبارة عن مجرد كلمتين تقال وينتهي كل شيء، بل ثمة مقررات نظير ما في الزواج الدائم، يعني أن المرأة المتمتع بها تكون - طوال المدة المضروبة في الزواج المؤقت خاصة بالرجل المتمتع، ثم عندما تنتهي المدة المذكورة يجب على المرأة أن تعتد، يعني أن تمتنع من الزواج مطلقا برجل آخر لمدة خمسة وأربعين يوما على الأقل، حتى يتبين أنها حملت من الرجل الأول أو لا، على أنها يجب أن تعتد حتى إذا توسلت بوسائل لمنع الحمل أيضا وإذا حملت من ذلك الرجل وأتت بوليد وجب أن يتكفله ذلك الرجل كما يتكفل أمر ولده من الزواج الدائم ويجري عليه من الأحكام كل ما يجري على الولد الناشئ من الزواج الدائم، في حين أن الزنا والبغاء لا ينطوي على أي شيء من هذه الشروط والحدود، فهل يمكن أن نقيس هذا الزواج بالبغاء؟ نعم إن بين الزواج المؤقت والزواج الدائم بعض الفروق من حيث التوارث بين الزوجتين - طبعا ليس هناك أي فرق بين أولاد الزواج المؤقت وأبناء الزواج الدائم من هذه النواحي - والنفقة وبعض الأحكام، ولكن هذه الفروق لا تسبب في أن يجعل الزواج المؤقت في رديف البغاء، خلاصة القول: إن المتعة نوع من الزواج بمقررات الزواج والنكاح.
2. إن الزواج المؤقت يتيح لبعض الأشخاص من طلاب الهوى أن يسئ استعمال هذا القانون ، وأن يرتكبوا كل فاحشة تحت هذا الستار لدرجة أن ذوي الشخصيات من الناس لا تقبل بمثل هذا الزواج ، بل وتأنف منه كما أن ذوات الشخصية من النساء يأبين ذلك أيضا؟!.
والجواب هو: وأي قانون في عالمنا الراهن لم يسأ استعماله؟ وهل يجوز أن نمنع من الأخذ بقانون تقتضيه الفطرة البشرية وتمليه الحاجة الاجتماعية الملحة بحجة أن هناك من يسئ استعماله، أم أن علينا أن نمنع من سوء استخدام القانون الصحيح؟ لو أن البعض استغل موسم الحج لبيع المخدرات على الحجيج - افتراضا - فهل يجب أن نمنع من هذا التصرف الشائن، أم نمنع من اشتراك الناس في هذا المؤتمر الإسلامي العظيم؟ وهكذا الأمر في المقام، وإذا لاحظنا بعض الناس من ذوي الشخصيات يكره الأخذ بهذا القانون الإسلامي (أي الزواج المؤقت) لم يكشف ذلك عن عيب في القانون ، بل يكشف عن عيب في العاملين به، أو بتعبير أصح: يكشف عن عيب في الذين يسيئون استخدام القانون. فلو أن الزواج المؤقت اتخذ في المجتمع المعاصر صورته الصحيحة، وقامت الحكومة الإسلامية بتطبيقه على النحو الصحيح، وضمن ضوابطه ومقرراته الخاصة به، أمكن المنع من سوء استخدام المستغلين لهذا القانون، كما لم يعد ذوو الشخصيات يكرهون هذا القانون ويرفضونه عند وجود ضرورة اجتماعية أيضا.
3. يقولون: إن الزواج المؤقت يسبب في أن يحصل في المجتمع أطفال بلا أسر، تماما كما يحصل من البغاء من الأولاد الغير الشرعيين؟!.
الجواب هو: إن الإجابة على هذه المؤاخذة تتضح تماما مما قلناه، لأن الأولاد غير الشرعيين غير مرتبطين بآبائهم ولا أمهاتهم من الناحية القانونية ، في حين إن الأولاد الناتجين من الزواج المؤقت لا يختلفون في أي شيء عن الأولاد الناشئين من الزواج الدائم حتى في الميراث وسائر الحقوق الاجتماعية ، وهذا الاعتراض نشأ من عدم الانتباه إلى هذه الحقيقة الساطعة في صعيد الزواج المؤقت.
إن الغريزة البشرية الطبيعية إذا لم تلب بصورة صحيحة سلك الإنسان لإشباعها وتلبيتها طريقا منحرفا، لأن من الحقائق المسلمة غير القابلة للإنكار أن الغرائز الطبيعية لا يمكن أن يقضى عليها وحتى أننا إذا استطعنا أن نقضي عليها - افتراضا - لم يكن هذا العمل عملا صحيحا، لأنه حرب على قانون من قوانين الخلقة. وعلى هذا فإن الطريق الصحيح هو أن نشبع هذه الحاجة، ونلبي هذه الغريزة بطريقة معقولة، وأن نستفيد منها في سبيل البناء. أن الغريزة الجنسية هي إحدى أقوى الغرائز الإنسانية إلى درجة أن بعض المحللين النفسانيين اعتبرها الغريزة الإنسانية الأصيلة التي إليها ترجع بقية الغرائز الأخرى. فإذا كان الأمر كذلك ينطرح سؤال في المقام وهو أنه قد يكون هناك من لا يمكنه - وفي كثير من الظروف والأحوال - أن يتزوج بالزواج الدائم في سن خاص، أو يكون هناك من المتزوجين من سافر في رحلة طويلة ومهمة بعيدة عن الأهل فيواجه مشكلة الحاجة الجنسية الشديدة التي تتطلب منه التلبية والإرضاء. خاصة وإن هذه المسألة قد اتخذت في عصرنا الحاضر الذي أصبح فيه الزواج - بسبب طول مدة الدراسة وبعد زمن التخرج وبعض المسائل الاجتماعية المعقدة التي قلما يستطيع معها الشباب أن يتزوجوا في سن مبكرة، أي في السن التي تعتبر فترة الفوران الجنسي لدى كل شاب - اتخذت صفة أكثر عنفا وضراوة ، ترى ما الذي يجب عمله في هذه الحالة ؟ هل يجب حث الناس على أن يقمعوا هذه الغريزة (كما يفعل الرهبان والراهبات)؟ أو أنه يجب أن يفسح لهم المجال لأن يتحرروا جنسيا فيفعلوا ما شاءوا أن يفعلوا، فتتكرر الصورة المقرفة؟ أو أن نسلك طريقا ثالثة تخلو عن مشاكل الزواج الدائم، كما وتخلو عن مفاسد التحرر الجنسي أيضا؟.
وخلاصة القول إن الزواج الدائم لم يكن لا في السابق ولا في الحاضر بقادر على أن يلبي كل الاحتياجات الجنسية، ولا أن يحقق رغبات جميع الفئات والطبقات في الناس ، فنحن لذلك أمام خيارين لا ثالث لهما وهما: إما أن نسمح بالفحشاء والبغاء ونعترف به (كما هو الحال في المجتمعات المادية اليوم حيث سمحوا بالبغاء بصورة قانونية) وكما حصل في زمن الخليفة عمر, حيث يذكر الاستاذ العلوي مناقضا نفسه ومستشهدا براي الاستاذ الصلابي تحت عنوان جرائم الجنس في عهده – أي الخليفة عمر – حيث يذكر:- (ومن بين (25) حادثة مسجلة احتلّ الجنس المرتبة الأولى واستقلّ بإحدى عشرَ قضية يشكلُّ الزنا محورها الأساسي أو أن تتصل بقضية زواج غير شرعي).
أو أن نعالج المسألة عن طريق الزواج المؤقت فما هو يا ترى جواب الذين يعارضون فكرة البغاء، وفكرة المتعة، على هذا السؤال الملح؟. إن أطروحة الزواج المؤقت ليست مقيدة بشرائط النكاح الدائم لكي يقال بأنها لا تنسجم ولا تتلاءم مع عدم القدرة المالية، أو لا تتلاءم مع ظروف الدراسة، كما لا تنطوي على أضرار الفحشاء والبغاء ومفاسده وويلاته.
يقول الشيخ آل كاشف الغطاء: ومن تلك الشرائع مشروعية المتعة، فلو أن المسلمين عملوا بها على أصولها الصحيحة من: العقد، والعدة، والضبط، وحفظ النسل منها، لانسدت بيوت المواخير، وأوصدت أبواب الزنا والعهار، ولارتفعت أو قلت ويلات هذا الشر على البشر، ولأصبح الكثير من تلك المومسات المتهتكات مصونات محصنات، ولتضاعف النسل، وكثرت المواليد الطاهرة، واستراح الناس من اللقيط والنبيذ، وانتشرت صيانة الأخلاق، وطهارة الأعراق، إلى كثير من الفوائد والمنافع التي لا تعد ولا تحصى. ولله در حبر الأمة عبد الله بن عباس في كلمته الخالدة الشهيرة التي حيث قال: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد، ولولا نهيه عنها ما زنى إلا شفا. وقد أخذها من عين صافية، من أستاذه ومعلمه ومربيه أمير المؤمنين. وفي الحق إنها رحمة واسعة، وبركة عظيمة، ولكن المسلمون فوتوها على أنفسهم، وحرموا من ثمراتها وخيراتها، ووقع الكثير في حماة الخنا والفساد، والعار والنار، والخزي والبوار (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فلا حول ولا قوة إلا بالله.
لذا فقد تنبه علماء الغرب إلى هذه المشكلة (المشكلة الجنسية), يقول الفيلسوف الانجليزي (برتراند راسل) في كتابه (الزواج والأخلاق) حينما خصص فيه فصلا بعنوان (الزواج التجريبي أو الاختياري أو الودي أو زواج الصداقة) يقول بعد أن ذكر اقتراحا لأحد قضاة محاكم الشباب يدعى (ليندسي) في مجال هذا الزواج يقول: وفق هذا الاقتراح يجب أن يكون الشباب قادرين على أن يدخلوا في نوع جديد من الزواج يختلف عن الزواج المتعارف (الدائم) من ثلاث نواح:
أولاً: أن لا يقصد الطرفان الحصول على أبناء، ولهذا يجب أن يتعرفوا على أفضل السبل لمنع الحمل.
وثانياً: أن يتم الافتراق بين الطرفين بأبسط الطرق وأسهلها .
وثالثاً: أن لا تستحق المرأة أي نفقة من الرجل بعد وقوع الافتراق والطلاق بينهما.
ثم إن راسل بعد أن يذكر خلاصة ما اقترحه (ليندسي) يقول: وإني لأتصور أن مثل هذا الأمر لو اعترف به القانون لأقبل جمهور كبير من الشباب وخاصة الطلبة الجامعيين على الزواج المؤقت ولدخلوا في حياة مشتركة مؤقتة ، حياة تتمتع بالحرية ، وخالصة من كثير من التبعات والعواقب السيئة للعلاقات الجنسية الطائشة، الراهنة.
إن هذا الطرح الذي يسميه (ليندسي وراسل) بزواج الصداقة أو... يشابه إلى حد كبير قانون الزواج المؤقت الإسلامي، غاية ما هنالك إن الشروط التي قررها الإسلام في صعيد الزواج المؤقت أوضح وأكمل من نواحي كثيرة مما اعتبر في ذلك الطرح اقترحاه, هذا مضافا إلى أن المنع من تكون الولد في الزواج المؤقت الإسلامي غير محظور وإن الانفصال سهل ، كما أنه لا تجب النفقة في هذا الزواج على الرجل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat