صفحة الكاتب : د . طالب الرماحي

العراق وبوادر إعصار ثورة المحرومين
د . طالب الرماحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 

.

العراق الألم ، الوجع الذي بدأ يكبر في قلوب الصغار والكبار في أرض لم تر من السعادة ما تراه الشعوب في المنطقة أو العالم ، جرح خطه ابشع ديكتاتور في العالم اسمه صدام ، ويأبى من جاء بعده ، إلا أن يبقى ذلك الجرح العميق فاغراً فاه ، يستعصي على الشفاء . جرح رسمته ديكتاتورية مقيته استحوذت عليها نزعة سفك الدم ومصادرة الحريات ، وسلمته لديمقراطية مشوهة المعالم ، ناقصة الأعضاء ، تقودها نفوس ضعيفة لاتحسن غير السرقة والتهالك على الدنيا وحب المال ، نفوس مريضة بأمراض عضال من الغرور والتكبر والتجبر والاستخفاف بالآخرين ، نفوس وضيعة تريد أن تبتني لها عالما مزيفا من المجد والبطولات من لبنات حرمان الفقراء وأنات المعوزين وحسرات الثكالى ويتامى الملايين من شهداء الأمس المنسي .
لقد انقلبت موازين الأمس ، واستشاطت في نفوس شعوب المنطقة مشاعر أخرى غير تلك التي تعرفها من قبل ، ماعادت تلك الشعوب يستهويها النوم على وسادة الذل ، ولم يعد في وسعها أن تلوك الفقر تحت خيمة الجلادين ، فكفرت بمثل تلك الحياة ، واستبدلتها بحياة أخرى تحفل بالدم والموت ، طالما أنَّ فيها أمل من حياة كريمة كتلك التي تنعم بها شعوب الله في أرضه الواسعة .
وشعبنا العراقي المظلوم ، لم يكن بعيدا عما يحصل في المنطقة من إعصار اقتلع بعض الجبابرة في المنطقة ، وهو ما زال يزأر كأسد جريح يأبى إلا أن يفتك بما تبقى من سراق الحريات وسفاكي الدماء وسراق قوت الشعوب وآمالها أو أحلامها الوردية . صحيح أن في العراق ديكتاتورية أفل نجمها وعصفت بها القوات الأمريكية وفرح لها الشعب الذي ظن أن فجرا جديدا يطل عليه ، وأن جراح الأمس سوف تندمل ، وشمس الحرية تشرق من جديد تحمل في ضيائها اشياءا أخرى تعيد إلى الجميع مظاهر الحياة الآدمية التي ألفتها بل وشبعت منها الشعوب الأخرى ، لكنه وبعد ثمان سنوات استيقظ على حقيقة أن آحلامه ما زالت بعيدة المنال وأن بعض إخلاقيات رجال النظام السابق موجودة في تصرفات الحكام الجدد ، وأن الصورة الوردية ( لرجال إسلاميين مؤمنين ) كان يعتبرهم الشعب الأمل في الخلاص تبين انهم متهالكون على السلطة وعلى ملذاتهم  الدنيوية فأصبحوا  كابوسا مرعبا ، بعد أن أصل وجودهم الطاريء الكثير من مظاهر التخلف والجوع والفقر .
لقد بدأ الشعب العراقي يدرك بعد مخاض السنوات العجاف الماضية ، أن أحلامه لم يعد في وسعه أن يحققها حفنة من الوصوليين وعباد الدنيا ، ورجال سلطة نحرت بغرائزها الدنيوية كل آمال الطبقات المسحوقة ، وطفقت تمارس نهما شيطانيا غريبا في قضم المناصب والمال الحرام وقوت الفقراء والمساكين ، لقد مارست الرذيلة الدنيوية بأبشع صورها عندما استخفت بأبناء جلدتها من الكفاءات والعناصر المخلصة ، كي تبقى بعيدا عن انظارهم وهم يمارسون رذيلة سرقة المال العام .
إذن لم يبق أمام الطبقات المسحوقة في غالبية مدن العراق المحاطة بالبرك الآسنة والتخلف العمراني الغائب عن أي مظهر من مظاهر المدنية الحديثة ، مع امتلاك العراق لثروات طائلة ، تسربت لحسابات الأحزاب الحاكمة ورموزها السياسية وحواشيها من الوصوليين ، غير استخدام قوتها وحقها الدستوري في تغير واقعها المؤلم ، وهذا حق ليس في وسع أحد في العالم أن يساومهم عليه ، وخاصة أن حكام السنوات الثمان الماضية بإسلاميهم وليبرالييهم ، ما زالوا في سكرة المناصب التي انستهم كل شيء ، وعمقت فيهم نرجسية وأنانية غير قابلة للإصلاح . كما أن الطبقات المخلصة في المجتمع بدأت تنبه إلى خطورة أن يتصدى الفاشلون قيادة الأمة ، بعد أن ثبت ضعفهم أمام أنفسهم التي لاتفكر بغير مصالحها الذاتية ومصالح المقربين والمحيطين بها .
فلا نستبعد أن تختار الطبقات الفقيرة في العراق بمدنها وأريافها خيار الثورة على واقهم المتردي ، وأن ترفع قبضتها بوجه أناس فقدوا أي مشاعر للوطنية وتخلوا عن أي مسؤولية دينية ، وتحولوا من دعاة إصلاح إلى مفسدين ومدافعين عن الفساد . وهذا ليس محاولة للتجني على جماعة أو فرد ، بل إن أي قراءة متأنية في سلوك الحكومات العراقية الماضية سوف تريك وبما لايقبل الشك صحة ما ذهبنا إليه .
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . طالب الرماحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/15



كتابة تعليق لموضوع : العراق وبوادر إعصار ثورة المحرومين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net