الإمام المهدي(عج) من الولادة إلى الغيبة الصغرى وطرق التواصل مع الشيعة
د . صلاح ال خلف الحسيني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صلاح ال خلف الحسيني

تُعدّ مرحلة الغيبة الصغرى (260–329هـ) من أهمّ الفترات المفصلية في التاريخ الإسلامي الشيعي، إذ مثّلت الجسر بين عصر الوجود الظاهر للأئمّة المعصومين (ع) وعصر الغيبة الكبرى التي نعيشها اليوم.
في هذه المرحلة مارس الإمام المهدي (عليه السلام) إمامته من خلف حجابٍ من الغيبة الجزئية عبر نظام السفراء الأربعة، وهو تنظيم إلهي محكم أدار به الإمام شؤون الأمة وحافظ على كيانها العقائدي والسياسي.
1️⃣ الولادة والإمامة
وُلد الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع) في ليلة النصف من شعبان سنة 255هـ في سرّ من رأى (سامراء)، كما تواترت بذلك الأخبار عند علماء الشيعة وأكدها عدد من المؤرخين من غيرهم كابن الأثير وابن طاووس.
أخفى الإمام العسكري (ع) ولادة ابنه لأسباب أمنية، لأن السلطة العباسية كانت تتربص بالإمام الموعود الذي بشّر به النبي (ص) والأئمة من بعده.
وبعد شهادة الإمام العسكري سنة 260هـ، انتقلت الإمامة إلى ابنه المهدي (ع) وهو في الخامسة من عمره الشريف، فمارس دوره عبر شبكة من الوكلاء الموثوقين، بدءًا من السفير الأول عثمان بن سعيد العمري.
2️⃣ نظام السفارة وطرق التواصل
أ. معنى "السفارة"
السفير أو النائب الخاص هو الشخص الذي يتولّى الاتصال المباشر بالإمام المهدي (ع) وينقل تعليماته وتواقيعه إلى الشيعة، ويستلم منهم الأموال الشرعية والأسئلة.
ب. أدوات التواصل
كانت وسائل الاتصال بين الإمام والسفراء تعتمد على:
الكتابة بخطه الشريف (التواقيع).
الرسائل السرّية عبر وكلاء فرعيين في بغداد، قم، نيسابور، الأهواز وغيرها.
اللقاءات المحدودة التي كان يُسمح بها أحيانًا لبعض الخواص الثقات.
التواقيع كانت تميّز بخط خاص لا يشتبه، معروف لدى أصحاب الأئمة السابقين، وكان يحمل طابع الجلال والعلم والإحاطة.
3️⃣ السفراء الأربعة المعتمدون
1. عثمان بن سعيد العمري (السفير الأول)
هو من خواص الإمام الهادي والعسكري (ع)، وكان يتظاهر بمهنة بيع السمن لتغطية عمله في نقل الأموال والرسائل.
جاء في توقيع الإمام المهدي (ع):
> «العمري ثقتي، فما أدّى إليكم فعنّي يؤدي، وما قال لكم فعنّي يقول، فاسمعوا له وأطيعوه، فإنه الثقة الأمين.»
📚 الغيبة للطوسي، ص354.
2. محمد بن عثمان العمري (السفير الثاني)
نصّ عليه الإمام بعد وفاة أبيه قائلاً:
> «عاش أبو عمرو سعيدًا ومات حميدًا، فرحمه الله وألحقه بأوليائه، وسيُعزّى ابنه أبو جعفر به، وله أن يتولى ما تولاه أبوه، فليثق به الشيعة وليرجعوا إليه.»
📚 كمال الدين، ج2، ص502.
3. الحسين بن روح النوبختي (السفير الثالث)
كان عالمًا فقيهًا، سياسيًا لبقًا، حافظ على كيان الشيعة رغم شدّة المراقبة العباسية.
ورد في التوقيع الشريف:
> «الحسين بن روح النوبختي، ثقة أمين، مأمون على مال الله ودينه، فانظروا إليه وعرفوا منه، فإنه سفيري إليكم.»
📚 الغيبة للطوسي، ص367.
4. علي بن محمد السمري (السفير الرابع)
آخر النواب، وفي أيامه صدر التوقيع الأخير:
> «يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام... ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة... ومن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر.»
📚 الغيبة للطوسي، ص395.
وبهذا التوقيع انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى سنة 329هـ.
4️⃣ خصائص التواقيع الشريفة
أسلوبها بليغ متميّز يحمل طابع العصمة.
تتضمن توجيهات دينية عامة، وتعليمات خاصة للوكلاء.
خطّها كان معروفًا لدى الشيعة، مما جعلها علامة تصديق رسمية لكل نائب.
تضمنت إشارات غيبية وكرامات عديدة، زادت يقين المؤمنين بصحة النيابة.
5️⃣ الكذّابون ومدّعو النيابة
في مقابل السفراء الأربعة، ظهر بعض المدّعين الكاذبين الذين حاولوا استغلال إيمان الشيعة بالإمام الغائب. وقد كُشف أمرهم من قِبَل الإمام (ع) أو من السفراء الموثوقين.
1. أحمد بن هلال الكرخي
كان من أصحاب الإمام الهادي والعسكري (ع)، لكنه انحرف فادّعى مقام النيابة.
صدر توقيع عن الإمام المهدي (ع) بلعنه:
> «قد أخرجني الله منه، فابرؤوا منه، لعنه الله، فلا رحمه الله في الدنيا ولا في الآخرة.»
📚 الغيبة للطوسي، ص398.
2. محمد بن علي الشلمغاني (المعروف بابن أبي العزاقر)
كان في البداية من وكلاء السفير الثالث، ثم انحرف وادعى أنه باب الإمام.
ورد توقيع شريف من الإمام (ع):
> «لعنه الله، فقد آذانا وآذى المؤمنين، فلا تقبلوا منه قولًا ولا تطيعوا له أمرًا.»
📚 الغيبة للطوسي، ص399.
3. الحلاج (الحسين بن منصور)
ادعى الصلة بالإمام المهدي (ع) ضمن تأويلات باطنية غالية. وقد أعلن السفير الثالث النوبختي براءته منه علنًا في بغداد.
📚 الغيبة للطوسي والرجال للكشي.
4. أبو دلف الشيباني وآخرون
ظهر عدد آخر من المغالين الذين حاولوا ادعاء الوساطة أو المشاهدة، وردت فيهم تواقيع تحذيرية بأنهم مفترون.
🔹 خلاصة الموقف:
كل من ادّعى النيابة بعد السمري أو ادّعى المشاهدة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى فهو كذاب مفترٍ بنص التوقيع الأخير للإمام نفسه.
6️⃣ البعد الروحي والعرفاني في الغيبة والتواصل
يرى علماء العرفان الإسلامي — مثل ابن عربي والعلامة الطباطبائي والشهيد الصدر — أن الغيبة ليست انقطاعًا وجوديًا، بل تحوّل في نمط الحضور.
فالإمام المهدي (ع) باقٍ في عالم الشهود، لكنه حاضر بنور الولاية لا بالجسد.
قال العلامة الطباطبائي في الميزان:
> "إن وجود الإمام حجة الله في الأرض، وإن لم يُعرف بشخصه، هو ضرورة توازن الوجود الإلهي في العالم، فبه يُفيض الله رحمته على الخلق."
📚 الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص151.
وهكذا يستمرّ التواصل المعنوي والباطني بين الإمام وأوليائه عبر الإلهام، واللطف، وتدبير الأمور الغيبية، مصداقًا لقوله (ع):
> «إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم البلاء واصطلمكم الأعداء.»
📚 الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص598.
الخاتمة
إنّ مرحلة الغيبة الصغرى شكّلت المدرسة الأولى التي درّبت الأمة على الإيمان بالغيب والتسليم لقيادة الإمام المهدي (ع) دون رؤية.
وقد ثبتت صدقية السفراء الأربعة بالتواقيع المتواترة والمعجزات التي ظهرت على أيديهم، فيما فضحت تلك التواقيع أيضًا المدّعين الكاذبين الذين حاولوا المتاجرة باسم الإمام.
أما في الغيبة الكبرى، فالإمام (ع) حاضر بعنايته وتدبيره وإن حُجب عن الأبصار، ينتظر أمر الله بالظهور ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا. كما وردت روايات صحيحة في ان غيبته لها فوائد عديدة كالشمس اذا غيبها الغمام وهو يجيب على رسائل شيعته المخلصين وقد جاء في الاخبار العشرات من تلك المسائل ولعل ابرزها جوابه عليه السلام للميرزا مهدي الاصفهاني رحمه الله في توقيعه الشريف
(( طلب المعارف من غير طريقنا اهل البيت مساوق لانكارنا ))
وهو النهي المطلق من ان تاخذ من غيرهم شيئا من العلوم التي تتعلق بالفقه والعقيدة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat