تمتلك كتب السير الغيرية مقدرة الارتقاء بالذائقة الحضارية، والمعروف إن مدينة كربلاء المقدسة أنجبت الكثير من العلماء والأدباء، وتوثيق تاريخهم بعيدًا عن نمطية التوثيق الجاف؛ ليكون مسعى خلاق يفتح آفاقًا حداثية عبر رحلة إنسانية ، وثقافية تختزل تجربة حياة مدينة ،بما تمتلك من ثقافة ولاء ، والتزام فطري وفكري.
جاء في مقدمة الكتاب امضاء لمركز كربلاء للدراسات والبحوث، للبحث عن أسباب عدم تسليط الضوء الإعلامي على حياة أغلب مبدعين كربلاء، وللتأمل في هذه المقدمة الثرية التي تنطلق من السير الذاتية بطابعها الخاص إلى العام لمناقشة بعض الأمور منها أسباب حجب إبداع أغلب المبدعين وعدم تسليط الضوء على إرثهم المبدع ، ذهب التعليل إلى أثر السياسة الطائفية المقيتة هي التي صرفت الدارسين عنهم رغم أننا بحاجة إلى التعرف على سيرهم الذاتية وأدبهم وحياتهم الإجتماعية التي تعكس حياة المدينة المقدسة ،نطمح أن لا نتعامل مع تلك الرموز تعاملًا متحفيًا جامدًا، بل عملية بعث واستحضار باعتبارهم كجزء حيٍّ من حاضرنا، وليس مجرد ذاكرة من الماضي، أي الذي نبحث عنه هو الابتعاد عن نمطية السير( الاخبار) إلى تحليل الأثر ،الوظيفة الإخبارية لم تعد قادرة على جذب المتلقي إلى عوالمها ، والبحث عن الذات المبدعة ليس من خلال تواريخ الولادة والوفاة ،كونها تعيش فينا ،نبحث عن ذهنية الإبداع وهذا ما فهمته الجامعات اليوم ،وجهت عناية طلبة الدراسات العليا باتجاه مدينة الحسين وأدباءها الكرام ، نال أحد طلبتها درجة ماجستير عن شعر المرحوم عبد الحسين الحويزي ونالت إحدى طالباتها درجة ماجستير عن شعر المرحوم الشيخ محسن أبو الحب ،ولا يزال عدد كبير من أدباء كربلاء بانتظار من يسلط عليهم الضوء. ترى في تلك الدراسات والقراءات والسير قرابة روحية مع الذات الإبداعية مع المضمون الذي يعبر عن الهوية، الانتماء المكاني كربلاء والأزمنة والحقب التي مرت أغلبها يعتمد على التدوين الرسمي للأحداث والتواريخ ،ما يهمنا الفعل الإبداعي بإعتباره السيرة الحقيقية للمبدع فقد تعامل التاريخ معها ضمن الأطر الأيديولوجية والطائفية، ما ينقصنا هو التعامل مع الجوهر الإنساني المبدعين ومن خلالهم تكتشف المساحات الإجتماعية والسياسية والروح الجماهيرية ،وإحياء القيمة الإجتماعية والمواقف الوطنية لأمة حملت رايات الحسين عليه السلام ،ورفضت الخنوع إلى السياسات، صوت الشاعر يمثل صوت الأمة ولهذا كان الصوت يواجه بالكثير من حساسية السلطة واتباعها ولا يعني هذا إننا نهمل عن قصد السيرة الذاتية الهوية، وإنما هي لوائح معلومة لعملية خلق النظائر ومعرفة التواريخ، مثلا لماذا لقب بالشاعر محسن أبو الحب الصغير ؟
يضعنا هذا السؤال أمام التكوين الأسري والإرث المجيد ، لهذا الشاعر لقب بالصغير تمييزًا عن جده الشيخ محسن أبو الحب ، أسرة آل أبي الحب العربية التي تنتسب إلى قبيلة بني كعب التي هاجرت من الحويزة وأقامت في كربلاء منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري ،والذي يظهر لنا من خلال هذه المقدمة أن مدينة كربلاء كانت عبارة عن مدرسة فيها تدرس كافة العلوم، علوم الفقه واللغة العربية والقرآن الكريم وفيها علماء كبار خرجوا كبار العلماء ،بمعنى أقرب إن هذه السير الذاتية تحولت إلى سيرة مدينة، ونذهب مع سيرة المبدع الخطيب لنتعرف على ملامح المنبر الحسيني في كربلاء، والذي كان يمتاز برجال العلم والأدب والثقافة، ولتكون كربلاء قائدة العالم ورائدة الفكر ومعلمة الدول ،هذا الشاعر خرج لنا مجموعة طيبة من خطباء المنبر أمثال المرحوم الشيخ عبد الزهرة الكعبي والشيخ هادي الخفاجي والشيخ علي الحلي والسيد صدر الدين الشهرستاني والسيد مصطفى الفائزي ، وكان له حضور عربي في الخطابة الحسينية في الكويت والبحرين والشام وإيران وتظهر المميزات الخاصة لهذه السيرة بين الأثر الأدبي والإجتماعي الوطني ، هو لم يكن خطيبًا حسينيًا وشاعرًا وإنما صاحب مواقف وطنية، ابن الغيرة الكربلائية .
هناك مناقشات كثيرة في أثر المكان على الإنسان أم أثر الإنسان على المكان ، لهذا علينا أن نتأمل أثر الإمام الحسين عليه السلام على هذه المدينة الزاكية في ناسها وأهلها وخطباء منابرها وشعراء كربلاء بما يحملون من صدق المشاعر الوطنية، أشترك الشاعر في ثورة العشرين ،
وفي ترجمة الشاعر والديوان كتب سلمان هادي آل طعمة عن سيرته وهويته وكربلائية انتمائه ،قراءة حياة مبدع لا تقف عند حدود الترجمة وإنما تتجاوزها إلى قضايا تتوغل في فهم شخصية الشاعر أبو الحب الصغير
١) أمتاز الشاعر بدماثة الخلق ولين الجانب وكان إنسانًا طيبًا له علاقة عامرة مع الناس وشخصية بسيطة يشعرك بقوة الإنتماء بأهله وناسه ومجتمعه والسعي لخدمة أهل المدينة.
٢) ساهم في جمعية ( ندوة الشباب العربي منتدى أدبي تأسس في كربلاء عام 1941 م وكان معتمدًا لتلك الندوة مدة طويلة وأحسن إدارتها ،نشر قصائده على صفحات جريدة الندوة الكربلائية وأسهم في عدة إحتفالات ومؤتمرات وطنية
٣) كتب عنه الأستاذ محمد علي الحوماني شاعر عربي معروف أصدر كتابًا بين النهرين (خطيب ليالي محرم لذكرى شهيد العدالة الحسين عليه السلام يكنى بأبي الحب رجل ظريف ونديم ، يلازم كل زائر، لقد لقيت منه طيلة أيامي في كربلاء لطف ودعابة ورقة سمر).
٤) له شعر متمكن في الغزل وقصائد حافلة بالعاطفة والمشاعر الرقيقة شاعرية متدفقة، والجميل في كتابه سير الخطباء والشعراء كربلاء أنهم ولدوا وترعرعوا في خدمة المنبر أي أن مساعيهم إيجابية وهذه الإيجابية هي ذخيرة الإنتماء إلى الولاء الحسيني.
ورد في تعريف ضياء الدين أبو الحب ابن الشاعر الشيخ محسن يركز على قضية مهمة ، إن الشاعر ليس مقلًا في كتابة الشعر فهو كان من شعراء الارتجال في كافة المناسبات الوطنية والإعداد والمواليد وفي كافة المناسبات الدينية والإجتماعية لقد كان لا يعتني بجمعها وتوثيقها، نحن اليوم بحاجة إلى قراءة سير مثل هذه الشخصيات لنعرف عن كثف ماذا يعني الإنتماء إلى كربلاء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat