صفحة الكاتب : د . باسل عباس خضير

منهج  مقترح  لمعالجة الفساد !!
د . باسل عباس خضير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

( الفساد ) .. كلمة  يتم تداولها منذ زمان ، فاغلب من يتعاملون مع دوائر الدولة يتحدثون عن الفساد ، وفي مجالس العائلات او الأهل و الأقارب و الأصدقاء يتم التطرق إلى الفساد ولعنه هو وكل من يمارسه ونعته بمختلف وأقبح التسميات ، وفي الخطب الرسمية و  البرامج التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي يتم التطرق إلى الفساد وضرورة معالجته والقضاء عليه لإبقاء بلدنا بلا فساد او تقليله إلى أدنى المستويات ، ولا يختلف اثنان او ثلاثة او أكثر على إن الفساد حرام ويشاركهم في هذا الرأي الأئمة والخطباء ويتم ذمه في  المناسبات ، وتكاد لا تخلو دائرة من دوائرنا من ممارسة الفساد بحسب رأي الكثيرون حتى من الخارج الذين يريدون التعامل مع العراق  ، والبعض يدعي انه وقع ضحية الفساد بحيث إن معاملته التي يمكن إن تنجز بدقائق لم تنجز إلا بأسابيع رغم تقديمه ما تتطلبه من معلومات ، وهناك من يستغرب كيف ينمو الفساد في بلدنا ويعبر كل الموانع والمعرقلات ، ففي كل دائرة هناك وحدات تنظيمية للرقابة الداخلية ولجان للمشتريات واعتدال الأسعار لضبط العملية قبل الصرف المالي ، كما إن هناك ديوان عريق للرقابة المالية وله هيئات مشرفة للرقابة وتقويم الأداء في كل التشكيلات ، ولكل وزارة أصبحت لها أعين واذرع في كل مكان وبعضهم يخيفون الموظفين بأشد العقوبات  ، كما إن هناك هيئة مستقلة للنزاهة وفيها محققون وقضاة أكفاء  وإجراءاتهم ترعب قلوب المخالفين ، ناهيك عن القضاء الذي يمكن أن يلجا إليه أي مواطن للإبلاغ عن مخالفات الموظفين بمختلف الدرجات ، ووجود الأجهزة الرقابية والعقابية تزيد المواطن حيرة  وقد تسهم في توليد الإحباط لديه ، فالبعض يقول إذا كانت كل تلك الأجهزة  ( الرصينة )  موجودة فكيف يزيد الفساد بمتواليات هندسية بمرور الأيام ؟! .

ورغم إن تجربة الدول الأخرى في الفساد تشير إلى إمكانية معالجته بالجهود المجتمعية ، إلا إن البعض في بلدنا يعمل بشكل او بآخر على تغذية وتنمية الفساد  ، ولا نبالغ عند القول  إننا ربما نجعل من الفاسدين ( أبطال ) ويمتلكون قدرات خارقة في تمشية المعاملات ولكنهم في واقع الحال وفي معظم الحالات هم من أكثر الجبناء جبنا ، بدليل إنهم يستلمون الرشاوى بالسر والخفاء ويغضبون حين تلمح لهم بالدفع خوفا أن يسمع أحاديثهم أحدا ما ، واغلب الفاسدين ليسوا محميين بالفعل ولكن من يوفر لهم غطاء الحماية هو المواطن نفسه لان الموظف الفاسد لا يتجرأ أن يطلب من المواطن شيئا إلا عندما يشعره المواطن بضعفه ، ولو اجتمع الرأي والقرار لدى الضحايا  على  الإبلاغ عن حالات الفساد لدى الجهات الرقابية او القضائية لقضينا على الفساد من جذوره منذ أولى اللحظات ، ولكن  بعض المواطنين يستسهلون الحلول ولا يريدون الخوض في الاحتمالات  و بذل المجهودات فيبحثون عن الفاسدين ، والفاسدون يجدون لأنفسهم ظهير من معقبين ودلالين لكي يكونوا خارج الصورة ، ولأن التعليمات منعت المعقبين والدلالين في التواجد بدوائرنا فقد اوجدوا لأنفسهم مخرجا بالطلب من صاحب المعاملة أن ينظم له وكالة خاصة فيعقب ويرشي تحت غطاء القانون ، والموظف الفاسد  لا يمكن أن يخالف القوانين والأنظمة المرعية لأنه يتعرض للمساءلة والعقاب  لذا يلجا إلى الاجتهاد والتعكز على التعليمات ولكن التعليمات من صناعته ويستخدمها لعرقلة معاملات الجمهور ، ومشكلة الكثير من المواطنين إنهم لا يتظلمون من حكم مسبق  بان المدير يقف إلى جانب الموظف ، وأحيانا يتعمد  الفاسدون لان  يتصرفوا  بحرية دون اكتراث للعقاب مستغلين نقاط الحلل هنا او هناك  فيسود الظن لدى البعض بان السراق محميين ،  وفي واقع الحال إنهم ليسوا كذلك فقد لا يكونوا أكثر من  متضامنين مع بعضهم البعض في تقاسم ( غنائم ) الفساد .

وبالحديث عن الفساد ، فان كل الحكومات التي جاءت بعد 2003 استشعرت الخطر من الفساد وشخصت على توارثه منذ سنوات وقد وضعت خططا لمكافحته تضمنت الكثير من الإجراءات ، ورغم الجهود التي بذلت في تطبيق الحكومة الالكترونية والدفع الالكتروني واستخدام التقنيات في ترويج المعاملات ، فان الفساد باق ويزداد ويعطي البرهان أن ممارسيه لا يستهان بهم لأنهم يصنعون الثغرات  والموانع التي يستطيعون من خلالها اختراق التغييرات والتقنيات ، ويعني ذلك تحول الفساد لأشكال خطيرة ، باعتماد مخرجات الفساد مصدرا ( للترزق ) وتكوين الأموال التي تسند أفرادا ومنظمات ، و الاعتماد على قدرات الأفراد والصلاحيات في التغلغل والاختراق وأخطرها التحول من الفساد الفردي إلى فساد نظمي يشترك فيه إفرادا وتسنده مجموعات ، وتطور من هذا النوع يجعل من معالجة الفساد أمرا تكتنفه العديد من الصعوبات ، والإستراتيجية الممكنة بهذا الخصوص هو التحول للمنهجية الوقائية للفساد بدلا من إجراءات معالجة الفساد ، وبما يجعل القرارات والإجراءات القادمة محمية من الاختراق و قادرة على تقادم الفساد وإحباط ممارسيه ، وذلك يشابه المكافحة الإحيائية و البيولوجية المستخدمة في بعض القطاعات ، ونعني بشكل ادق إدخال وسيط مهلك للفساد في صياغته كنظام سواء كان قانون او إجراءات ، والإستراتيجية المقترحة تتطلب دراسة وتحليل جميع القرارات التي ستصدر بهيئة قوانين او نظم او تعليمات بما يجعلها غير قابلة للتلاعب والتطفل والاجتهاد وكل ما هو يفضي إلى انتاج الفساد ، وتلك المهمة ليست مستحيلة ولكنها تتطلب توفير بيئة تشريعية قادرة على حساب وتخمين خطوات التنفيذ والحؤول دون اخضاعها للفساد ، كما إنها تتطلب توافر موارد بشرية غير ملوثة ذات قدرات فائقة للتحليل المسبق لكل الأنظمة وتخليصها مبكرا من ملوثات الفساد .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . باسل عباس خضير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/16



كتابة تعليق لموضوع : منهج  مقترح  لمعالجة الفساد !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net