صفحة الكاتب : كامل حسين الجنابي

النسيان نعمة
كامل حسين الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن اللهَ (عزَّ وجل) أنعمَ على عباده كثيراً من النعم: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النحل: 18. ومن هذه الفضائل، نعمة الحفظ، والتذكر، وكذلك نعمة النسيان.
والحفظ: هو احتفاظ الفرد بما مرّ به من خبرات، وبما حصل عليه من معلومات، واكتسبه من عادات ومهارات، ولولا هذه القدرة على الوعي والحفظ ما استطعنا أن نسترجع أو نتذكر درساً أو اسماً حفظناه، أو نتعرف على شخص رأيناه، بل ولم يهتد إلى أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، وإذا خرج من بيته استحال أن يعود إليه، بل لولا الحفظ ما استطعنا أن نتصور شيئاً أو أن نفكر فيه، أو نتعلم شيئاً على الإطلاق، فالحفظ والتذكر نعمة كبيرة من الله (عزّ وجل).
أما النسيان: فهو نعمة أعظم وأفضل من نعمة الحفظ أحياناً من الله سبحانه وتعالى. ويعرف النسيان: بأنه عبارة عن زوال تلك المعلومات والصور المدركة والحافظة.
ويمكن تعريف النسيان أيضاً: بأنه فقدان طبيعي جزئي أو كلي مؤقت أو دائم لما اكتسبناه من معلومات ومهارات حركية، ومن مفاهيم واتجاهات، فهو عجز عن الاسترجاع أو التعرف أو عمل شيء... والنسيان: يعني السهو أحياناً.
والانسان يتعرض في كل ساعة ويوم وشهر وسنة، على عدة معلومات وخبرات ومواقف ومشاهد مختلفة كثيرة جداً، ومن هذه المعلومات والمواقف والأحداث، ما هي مفيدة وسارة ومفرحة، ومنها ما هو غير سار ومؤلم ومزعج جداً، ومن هنا يأتي دور النسيان للخلاص من هذه المواقف والمعلومات والأحداث المؤلمة؛ لكي تنسى هذه الأمور، وتبقى الأمور السارة والإيجابية، وهكذا فأن النسيان يساعد على تلطيف الحياة، وهذه نعمة النسيان، بالرغم من وجود بعض السلبيات والمضار أيضاً. وبذلك فأن الأمور والمعلومات والمواقف والأحداث المؤلمة والمحزنة، والتي لا يحبها الفرد تكون أكثر عرضة للنسيان من الأمور السارة الايجابية التي يحبها الفرد.
إن الحفظ والتذكر والنسيان كلها لخير الإنسان وصالحه، ولولا النسيان لتراكمت الهموم على الإنسان، ولم يتمتع بشيء، ولانتهت حياته في أمد قصير.
ويذكر (توحيد المفضل): (بعد ذكر نعمة الحافظة، وانه لولاها لاختل الناس. وأعظم النعمة على الإنسان في الحفظ هو النعمة في النسيان، فانه لولا النسيان لما سلا أحد مصيبة، ولا انقضت له حسرة، ولا مات حقد، ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات، ولا رجاء غفلة من سلطان، ولا فترة من حاسد... أفلا ترى كيف جعل في الانسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان، وجعل له في كل منهما ضرب من المصلحة؟..).
وهذه العبارات تؤكد على أن النسيان نعمة أفضل من نعمة الحفظ، والإنسان يتعرض إلى مصائب وأمور مؤلمة في حياته، فلولا النسيان لما نسي هذه المصائب، وتكون حياته مؤلمة دائماً، مما يؤثر على نفسه وصحته وحياته بسوء الحال.
وروي عن الصادق (ع) يقول: (إن الميت إذا مات بعث الله تعالى ملكاً إلى أوجع أهله، فمسح على قلبه، فأنساه لوعة الحزن، ولولا ذلك لم تعمر الدنيا).
ومن المعروف أن كل ميت إلى النسيان والإهمال، إلا ما ترك كلمة تنير العقل، وتحرك الضمير، وتهدي الى حياة أحسن، وهو علم ينتفع به، وولد يدعو له، وصدقة جارية.
 وعن رسول الله (ص) قال: (رفع عن أمتي أربع خصال: خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا)، ومن هذا نستدل على أن الله (عزّ وجل) لا يؤاخذ الإنسان على النسيان أو اللهو، وهذا فضل ونعمة من الله سبحانه.
كما أن للنسيان فوائد أخرى وهي: إستبعاد الذكريات والأمور السلبية المؤلمة النفسية والجسمية التي تعطل الفرد عن أداء عمله... ومن الناحية البيولوجية يعتبر النسيان شرطاً ضرورياً لعملية التعلم؛ لأننا يجب أن ننسى الاستجابات المخطئة كي نقوم بالاستجابات الصحيحة الايجابية لتحل محلها، ومن ثم لا يكون النسيان دائماً نقيض التذكر، بل كثيراً ما يكون مساعداً له، عندما تنسى القديمة لتحمل مكانها المعلومات الجديدة، وهذه فائدة أخرى للنسيان من أجل التعلم... ولله في خلقه شؤون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كامل حسين الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/20



كتابة تعليق لموضوع : النسيان نعمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net