يومَ تمرَّد الدَّم
عبد علي حسن
عبد علي حسن
حينما تتجلى الحقيقة تختفي الحجب
المؤلف
يومَ تمرَّد الدم
مسرحية في فصل واحد
الزمكان: مطلق
الشخصيات:
المؤلف
المخرج
ممثل(1)
ممثل(2)
زهير بن القين
زوجة زهير
المنظر:
(مسرح دائري يتوسط قاعة المشاهدين، ممران متقابلان يؤديان إلى خشبة المسرح، على يمين المسرح المؤلف يجلس إلى آلة الحاسوب (لاب توب)، أصوات طبول حرب وتداخل مع أصوات رعد ثم صوت تساقط الأمطار الذي يستمر بخفوت حتى نهاية العرض).
المؤلف (وهو يكتب على آلته): للحرب طبولها.. فمنذ أن افتتح قابيل سجل الفجيعة بامتياز والملائكة ينشرون ألوية الحسرة على وجه آدم.. (مُحدّثاً نفسه): من أين أبدأ؟ فالحروبُ كثيرةٌ.. ولم تتبق بقعة من الأرض خالية من الإفساد.. لقد أفسدوا كوكبك يا آدم ، حسناً سأبدأُ من منطقة منزوعة القلب .. كربلاء
من يسلك دربَ الحقِّ ولا يخشى الوحشة ؟
قربان آخر
من يعرج نحو سماواتٍ
تحملها أجنحة من نور أخضر ؟
قربان آخر
قربان آخر
من الكوفة وحتى الكوفة
تاريخ يختصر الازمان
ويبدد خوف الاقدام
نورٌ أحمر
نورٌ أخضر
نورٌ أبيض يتناسل في دمٍ طهور
وينادم أحلام الفقراء
يا أهل الله
تعالوا فالكوفة موعدنا
نفتح في صدر الارض
قديم الجرح
يطلعُ نورٌ يغشى الناس
يكتبُ في صفحة السماء
أسماءً أخرى للعشقِ
قربان آخر. (يتصاعد صوت الطبول)...
المخرج (يدخل من أحد الممرين): توقف لست مخولاً بالسرد.. أنا من يملك هذه المقدرة، فالمتفرجون بحاجة إلى سرد منظور.. ها.. حركة.. أفعال وأنت لا تملك سوى الورق..
المؤلف: نعم ورق سيضيء سواد حروفها طريقك! إنها مجرّد أفكار حول هذه القضية التي لا تزال في موضع الخلاف والعناد ومجافاة الحقيقة، افهمها جيداً.. حسناً.. سنتناوب السرد معا..
المخرج: والآخرون؟
المؤلف: من تعني؟
المخرج: الممثلون..
المؤلف: من حقهم الدخول في اللعبة.. وسردها.
المخرج: ما قدمت لي من أوراق لا تسمح بوجود أكثر من سارد، وأنا من يملك هذه المقدرة، وعليّ أن أتقدم على ما كتبته ورسمته لي من أحداث بسيطة، وقد تكون بعيدة عن صُلب القضية.
المؤلف: أنت واهم يا صديقي، هنالك أكثر من وشيجة تصل بمجمل الأحداث، إنها سلسلة مترابطة الحلقات، وإذ تستجمع هذه الحلقات فإنها ستشكل جوهر القضية برمّتها.. ابتداءً من طلب يزيد البيعة من الإمام الحسين عليه السلام وحتى عودة الركب الزينبي إلى المدينة.. انظر لقد بدأت السلسلة بالتكوّن في المدينة لتنتهي بالمدينة، ولكن ستبقى الحلقة الأخيرة مفتوحة لحلقات أخرى حتى قيام الساعة.. حلقات.. حلقات متماسكة يا صديقي، لتكون سلسلة تضيّق الخناق على عنق البغي والضلالة،وصحابة الامام واحدة من هذه الحلقات وسنختار منهم زهير بن القين
المخرج: أعرف.. أعرف ذلك، ولكن قضية زهير بن القين بسيطة..
المؤلف: علينا دائماً أن نرى الماضي بعيون الحاضر، ولا يذهبن عقلك يا صديقي.. لا تنظر إلى سطح الظاهرة، بل تجاوز ذلك إلى جوهرها، وستجد ما هو بسيط سيكون له شأن
المخرج: وهل الالتحاق بركب الإمام الحسين عليه السلام يُعدّ ظاهرة؟ ستوب كادر..
ممثل(1) (يقرأ): زهير بن القين البجلي، وبجيلة هم بنو أنمار بن أراش بن كهلان من القحطانية، شخصية بارزة في المجتمع الكوفي، ويبدو أنه كان كبير السن عند لحاقه بالحسين عليه السلام. ذُكر في الزيارة بتكريم خاص، انضمّ إلى الحسين عليه السلام في الطريق من مكة إلى العراق، جعله الحسين عليه السلام على ميمنة أصحابه.
(تاريخ الطبري: 5/396-397 و6/42 و422. رجال الشيخ: 73. أنصار الحسين: 88).
المخرج: ستوب..
(يدخل زهير بن القين من الممر الثاني المقابل..)
زهير: إني والله كاره لمسايرته في هذه الطريق، فما لي وعياله ونسائه.. علينا تجنّب ركبه..
ممثل(2): ولكنها طريق واحدة، وقد لا تجد بداً من أن تنازله فيه استراحة أو تناولاً للطعام..
زهير: إني لأستشعر استمالته لي ..
ممثل(2): ماذا تقول؟ استمالته لك، كيف وأنت عثماني الهوى، وهو قد ترك المدينة إلى حتفه.. إنه يسير إلى حتفه وحتف عياله..
المخرج (لزهير): لا عليك يا صاحبي دع عنك هذا الشعور وسنجد لك مخرجاً.. (نحو المؤلف): كيف توفّق بين هذه وتلك.. عثماني الهوى ويلتحق بركب الحسين عليه السلام؟
المؤلف: هنا تتشكل هذه الحلقة الجديدة..
المخرج: عمَّ تتحدث؟ أيّة حلقة هذه.. علينا التفكير بمخرج مقنع!
المؤلف: سترى بأم عينيك كيف تطوّق هذه الحلقة يزيد وابن زياد. لقد استجمعت كل المعلومات الخاصة بهذه الحلقة! وأراها واحدة من الحلقات المهمة في صحة وسلامة نهضة الإمام الحسين عليه السلام. سترى ذلك، وبإمكانك بعد ذلك أن تجعل هذه الحلقة محور عملك اللاحق..
المخرج: ستوب كادر. إلى الممثل(2): تفضّل..
الممثل(2): السلام عليكم..
زهير: وعليكم السلام..
الممثل(2): أنا رسول الإمام الحسين عليه السلام وقد بعثني إليك لتأتيه.
زهير: أن أذهب إليه! وماذا يريد مني؟
زوجته: سبحان الله. أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه.. فلو أتيته فسمعت كلامه..
الممثل(1) (يقرأ في كتاب): ديلم بنت عمرو أو ديلم بنت عمر، وهي التي قالت لغلام زهير بعد شهادته، انطلق فكفّن مولاك. قال: فجئت فرأيت حسيناً ملقىً، فقلت: أكفّن مولاي وأدع حسيناً! فكفّنت حسيناً، ثم جئت فقلت لها، فقالت: أحسنت. وأعطتني كفناً آخر، قالت: انطلق فكفّن مولاك. ففعلت.
(ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات، المطبوع في مجلة تراثنا، العدد10، ص190، وراجع أيضاً: أعلام النساء المؤمنات: 314).
وتشير بعض الروايات التي تضمنتها المقاتل ان ديلم هذه قد طلبت من زوجها زهير ان ينقل رحلها الى رحل الامام الحسين عليه السلام بعد قراره اللحاق بركب الإمام الحسين عليه السلام
صوت الحسين (ع): يا زهير أتذكر حين كنتم في بلنجر وأصبتم من الغنائم وفرحتم بها فرحاً شديداً؟
زهير: بلى والله..
صوت الحسين (ع): فماذا قال لكم سلمان بن ربيعة الباهلي يومها؟
زهير: قال إذا أصبتم وقعة آل محمد فكونوا أشد فرحاً فتلك الغنيمة العظمى.
صوت الحسين: وها هي يا زهير وأنا ابن محمد (ص).
زهير (مع نفسه): لم يكن معنا فكيف علم ذلك؟
المخرج: وكيف عرفت أنه لم يكن معكم؟
زهير: لقد قال قال لكم.. وقال أصبتم.. فلو كان معنا لقال قال لنا سلمان.. ولقال أصبنا، كما أني على يقين أنه لم يكن معنا.. ولذلك معانٍ كثيرة..
المخرج: أولها..
زهير: أولها أن الإمام الحسين عليه السلام على صلة بالسماء وقد أخبر بذلك.. والثاني أن ما سيجري للحسين هو فعلاً واقعة آل محمد (ص) التي ذكرها الباهلي.. وإنه.. إنه على حق فقد ارتبطت هذه الواقعة بمحمد (ص) ورسالته..
المخرج: والآن بعد علمك بذلك ما أنت فاعل؟
زهير: وهل تعتقد أن لي الاختيار؟ فأنا الآن أشد فرحاً، وقد أدركت الغنيمة العظمى ولست بمفارقها.. (نحو الممثل(2)): اذهب وليقوّض فسطاطي وليحول ثقلي ومتاعي إلى الحسين عليه السلام.. (إلى زوجته): أما أنت فطالق، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلاّ خير، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي..
زوجة زهير: الطلاق ؟ وهل الطلاق الا طلاق الدنيا ، والانابة لصوت الحق واني لاراه فيما يدعوك اليه الحسين عليه السلام ، وهل الخير الا مع نساء بيت النبوة ، انت مع الحسين وانا مع عياله ونسائه يجري لي ما يجري لهن ، اذهب كان الله عوناً لك ومعيناً ، اسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام .
زهير: بوركت من زوجة صالحة ، أما أنتم يا أصحابي من أحب منكم أن يصحبني، وإلاّ فهو آخر العهد مني..
المخرج: كادر ستوب. (نحو المؤلف): أعتقد أن زهيراً يخفي وراء حديثه نصاً آخر..
المؤلف: جيد. الآن تبدو أكثر استعداداً لقراءة أخرى وفقاً لما تعتقد أولاً ولجدوى ما ستقوم به بعد مضي 1372 عاماً على واقعة آل محمد (ص) كما وصفها الباهلي.. ها.. ماذا تقرأ خلف سطور زهير..
المخرج: يقينية زهير في صحة موقفه، من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وأنه كان محقاً في خروجه على يزيد بن معاوية، و.. وأن الموت ياتي مرة واحدة، فلم لا يكون من أجل نصرة قضية الحسين عليه السلام، ليموت شهيداً من أجل واقعة آل محمد (ص) وهي الغنيمة العظمى .
المؤلف: إذن.. علينا أن لا نترك الرجل وحده..
المخرج: والآخرون؟
المؤلف: من تعني؟
المخرج: من نصره من غير أهل بيته..
المؤلف: نجوم في سماء الفضيلة والشهادة..
المخرج: أعرف ذلك.. ودع هذه اللغة المداعبة للقلب، ولنتحدث بلغة المنطق، ماذا تنوي أن تكتب عن الآخرين؟
المؤلف: كلهم سواء في موقفهم. ولعل زهير بن القين أنموذجٌ لهم على الرغم من الاختلاف بين ظرف واحد وآخر، إلاّ أنهم في النهاية استبدلوا الدنيا بالآخرة..
المخرج: اسمعني جيداً، علينا أن لا ندع الأمور تختلط علينا..
المؤلف فكّر بوضوح.. ليس هنالك اختلاط أبداً.. الأمر واضح، فالحسين عليه السلام قام وهو يعلم بقلّة الناصر، ولكل من الذين ناصروه حكاية رائعة.. وحريّ بنا أن...
المخرج (يقاطعه): أن نستنطق مواقفهم..
المؤلف: ولا تنسَ أن ترى ذلك بعيون الحاضر..
المخرج: إذن لنتابع الرجل..
المؤلف: مَن؟
المخرج: زهير بن القين..
المؤلف: حسناً.. عليك أن تعرف أمراً..
المخرج: وما هو؟
المؤلف: ألا ترى معي أن هنالك عشقاً للحسين عليه السلام..
المخرج: ألأنه ابن بنت النبي (ص)؟ أو لقيامه ضد مؤسسة يزيد..
المؤلف: لقد اقتربت من السبب.. دع الرجل يتكلم حين أشار الحسين عليه السلام لأصحابه بأن يجعلوا الليل لهم جملاً ليتفرقوا في سواد الليل.
المخرج (يشير إلى زهير): تفضّل..
زهير: والله يا بن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم نشرتُ ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك..
المخرج: ستوب كادر..
المؤلف: ها.. هل تستطيع أن تدرك العشق خلف هذه السطور؟
المخرج: اعتقد.. أنا الذي سأتكفل بالوصول إليه وخلق جسور بينه وبين ما أريد لهذه الواقعة أن تبقى محفورة في الأذهان..
المؤلف: وأن تبقى منظوماتها مشعّة في حياة الأجيال. إنها جدالية يا صديقي..
المخرج: وماذا لديك بعد عن الرجل.. ولكن.. قبل ذلك.. دعني أعود إلى الرجل..
المخرج (إلى زهير): هل وصلت في موقفك هذا من درجة اليقين بالحسين عليه السلام وقضيته لاسيما وقد أصبحت واحداً من مكوناتها..
زهير: كنا نلمح الحق في عيون الإمام عليه السلام، وإصراره على الثبات في موقفه الذي تجاوز أرض كربلاء ليشمل كل أرض يرفع فيها الآذان، وقد عرفنا بأننا نقف في جهة الإسلام والحق.. وصار يقيناً لدينا بأننا نقاتل مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ضد جهة الانحراف التي نهض الحسين عليه السلام من أجل تصحيحه، وهو الفتح والغنيمة التي أشار إليها الباهلي..
المخرج: ويقينية الموت؟
زهير: لقد استقر في قلوبنا حب الاستشهاد مع هذا الرجل الذي لم يخرج طلباً لجاهٍ أو منصب او رئاسة ولم يكن له الاستعداد ليقدم نفسه وحسب وإنما أهل بيته وعياله ونسائه.. كنّا نستمد منه حب الآخرة.. وفي ذلك نصرٌ وان كان معه الموت .
المؤلف: ولم تكن الدنيا سوى ممر إلى جنان الخلد وبهذا الموقف..
المخرج: دعه يقولها..
المؤلف: لقد قالها ضمناً، قلت لك اقرأ ما وراء سطوره..
المخرج (مع نفسه): هنا يتجلّى جزء من الحقيقة.. وستتهتك الحجب.. ستوب كادر..
الممثل(2): في زمن الخوف.. من يجرؤ على قولة الحق.. من هنا.. يبدأ ركب الخلد والصبر.. يا جيل الصبر..
المؤلف: لنكن على جهة الحياد.. لنكتشف الحقائق..
الممثل(2): ليس بالإمكان العودة من البدء..
المؤلف: لا أعني ذلك..
الممثل(2): ولكن أرجوك دعني أسرد ما جرى، لي الحق في توضيح ما جرى..
المؤلف: لا تبتئس.. فقد وضعت لك دوراً مهماً، أنت طرف مهم فيما جرى.. تفضّل..
الممثل (2): في زمن..
المخرج: ستوب.. لقد تذكرت.. عليّ العودة إلى زهير..
الممثل (2) : ومتى سيأتي دوري أرجوكم اتركوا لي فرصة
المخرج : لاحقاً لاحقاً
المؤلف: سيكون لنا لقاء معه فيما بعد.. لم تنته الحكاية..
المخرج: لا بأس.. قبل أن أغادر هذه المحطة.. دع لي بعض الوقت معه..
المؤلف: لك ذلك ولكن لا تنسَ عين الحاضر..
المخرج: أعرف ذلك.. ولكن هناك أمور عديدة ينبغي وضع اليد عليها.. وكما قلت علينا كشف الحجب..
المؤلف: بل قل علينا قراءة الحقائق لتختفي الحجب..
المخرج: لافرق في ذلك
المؤلف : بل في ذلك فرق كبير .
المخرج: وأين الفرق ؟
المؤلف: ان قوة الحقيقة ونورها الساطع سيسقط كل الجدران التي تحجبها ، وهي اذ تتجلى تختفي تلك الحجب ، اما انتظار كشف الحجب لتتجلى الحقيقة فهو امر لا موجب له ، لذا فان مهمتنا وكما قلت لك هي في تجلي الحقيقة لتسقط الحجب ، وها نحن نتعاون في تجليها
المخرج: وهي كذلك.. دعوني قليلاً مع الرجل.. (إلى زهير): أرجو أن لا أكون مصدراً لإرهاق يزيدك ثقلاً أكثرمما أنت فيه..
زهير: لم أكن مرهقاً ولا بائساً.. بل كنت على بصيرة مما أنا مقدم عليه.. الأمور واضحة ليس عندي فقط وإنما عند جميع من وقف في جهة الحسين عليه السلام.
المخرج: كنتم قلّة، ويكفي للتغلّب عليكم ألف مقاتل، بل أقل من ذلك، لا ثلاثون ألف مقاتل بين فارس ومترجل..
زهير: إن الغالب يكتب التاريخ إلى حين.. ثم إذ تتجلى الحقائق وتظهر للعيان، فالتاريخ يكتبه المغلوب، وهذا ما حصل في العاشر من محرم.. فقد كان هدف الحكم الأموي، القضاء على نهضة الإمام الحسين عليه السلام.. بوقت قصير وقطع دابر انتشارها ودون ان يعلم أحد ان هنالك ارضاً اسمها كربلاء .. إلاّ أنهم تناسوا أمراً مهماً..
المؤلف: أعرف ذلك..
المخرج: لا تتدخّل.. دعه يتكلّم..
زهير: إن دم الحسين عليه السلام قد تمرّد على التراب، ولازال كدماء يحيى بن زكريا عليه السلام.. دم يفور.. ولم يتمكّن، التراب ولا غيره من كتم فورانه..
المخرج: وما الذي أبقاكم تقاتلون مع علمكم بيقينية موتكم، فهم كثرة كما قلت لك..
زهير: حين تنتصر الروح على الجسد فإنها تتحرر من سجنها فتهزمه.. هكذا حصل لنا مع الرسول (ص) في بدر، وهو ما حصل لنا مع الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء، كنّا..
المؤلف: كنتم صادقين مع أنفسكم..
المخرج: تدخلت مرة أخرى
المؤلف : كيف لا اتدخل وانا من يملك ضوء الحروف
زهير: وكنّا نستلهم عوامل انتصار الروح من شخصية الحسين عليه السلام بعد أن عرفنا بأنه على استعداد للتضحية بكل شيء.. بكل شيء، وحتى نفسه من أجل مشروعه الإصلاحي..
المخرج: ولو لم يكن الحسين عليه السلام، ربما شخص آخر..
زهير: الأمر مختلف..لقد أحطنا بالقضية بشكل كامل.. وعرفنا من خلال خطب الإمام عليه السلام وتوضيحه أكثر من مرة سبب خروجه وعدم مبايعته ليزيد.. بأن مشروعه مرتبط بمشروع جده الرسول (ص).. وبأنه.. تجديد لميثاق الله في مقاومة الانحراف، كما أن الحسين عليه السلام قد خرج بفعل تكليفه الشرعي..
المؤلف (للمخرج): ثبّت هذه الحقائق يا صديقي.. إنها ستعينك كثيراً في كشف الحجب..
المخرج: عن أيّ حجبٍ تتحدّث..!
زهير: لقد تحررت الأرواح من الجسد..
المؤلف: هزمته..
زهير: تساوى لدينا الموت والحياة، ولم يكن أمامنا سوى أن ينتصر ما كنا نؤمن به..ولو كان في ذلك قتلنا .
المخرج: لقد كنت تدرأ السهام عن الحسين عليه السلام وأصحابه حينما كانوا يصلّون صلاة الخوف في يوم عاشوراء..
زهير: بكل إرادتي.. لقد كانت ساحة المعركة على صغر مساحتها متّسعة، بل شغلت العالم كلّه.. كنّا نلوذ بإيماننا ويقيننا بعدالة ما نحن مقدمون عليه مع الإمام.. لذا لم نكن نبالي بالسهام وغيرها.. إنه تجديد الميثاق بالله يا صاحبي. كنا مستبشرين بما نصير إليه..
المخرج: لقد كنت ترجز حين برزت إلى القتال..
زهير: أنا زهير وأنا ابن القين
أذودكم بالسيف عن حسين
إن حسيناً أحد السبطين
من عترة البر التقي الزين
واعلم يا صاحبي فإن لكل واحد من الأنصار أو من أهل بيت الحسين عليه السلام حكاية وأسرار..
المؤلف (للمخرج): ها.. هل توصّلت إلى شيء..
المخرج: هذا يعني.. أن المشروع لم يكتمل بعد.. وما جرى في عاشوراء البداية..
المؤلف: لقد تمرّد الدم على التراب.. ولا يزال يدور في حواري وأزقة الكوفة.. بل وفي كل أرض..
المخرج: هذه بعض الحقائق..
المؤلف: لعلّها تزيل الحجب..
المخرج: بل بعض الحجب..
المؤلف: وما خفي كان أعظم.. ولكن عليك أن تنظر إلى الأمر بعيون الحاضر..
المخرج: .. الأدران كثيرة فأيّها نشفي؟!
المؤلف: المهم أن تعرف تلك الأدران، وتستقي من تلك المأثرة الخالدة البلسم المناسب، وتوّاً قد تعرّفت على حقيقة جديدة..
المخرج: لازال مشروع الإمام الحسين عليه السلام قائماً..
زهير: بلى.. ما لم تنصروه.. فقد ادمى قلبه قلة الناصر .
المؤلف: كيف ننصره وقد انتهت السيوف من نحر اضاحيها وتوقف قرع الطبول ، ورفعت الرؤوس على اسنة الرماح ، وخمدت نيران المخيم ، وكفّن التراب الاجساد المقطعة.
زهير: اتحسبون ان الامام عليه السلام كان ينتظر ان ينتقل احد من جبهة عمر بن سعد الى جبهته ؟ لقد كان يعرف ان الله قد ختم على قلوبهم واسماعهم او كان ينتظر احداً يأتي من الكوفة او خراسان أو أي مكان آخر،لقد كان يعرف ان عبيد الله بن زياد قد أغلق جميع المنافذ المؤدية الى ارض المعركة .. لقد طوى نداؤه ارض كربلاء وتجاوز العاشر من محرم عام 61هـ لبيقى منتشراً مع الرياح ليصل الى كل زمان ومكان حتى زمانكم هذا .
المخرج: وكيف سيكون ذلك .
زهير:والله لا نحسب دمه الا دم محمد (ص) ، ولم ترض حوافر الخيل الا صدر محمد (ص) فلوذوا بظل رايته التي لم تسقط ، ولن تسقط فقد تلقفتها أيدٍ بيضاء.
المخرج (للمؤلف): كيف تدّعي إحاطتك بالقضية وأنت تسأل مثل هذا السؤال؟
المؤلف: أرى النصر في الكشف عن بشاعة تلك الحراب والرماح والسهام التي طالت جسد الإمام عليه السلام!
زهير: ليس كافياً..
المخرج: أما أنا فأرى النصر في تردد صدى صوت الإمام عليه السلام في العاشر من محرم وبقائه حتى اليوم..
زهير: ليس كافياً..
المؤلف: إذن كيف ننصره؟!
زهير: تمسّكوا بذؤابة عمامته، وافتحوا أبوابكم لسنابك خيله الصاعدة أبداً للسماء، فهو سفينة نجاتكم في الدنيا والآخرة..فلم يخرج وهو يقدم الاضاحي الواحدة بعد الآخر من ذويه واصحابه الا من أجل ان تعود الاقدام الى جادة الصواب وطريق محمد (ص) بعد انحرافها .
المؤلف (للمخرج): خذ هذه حقيقة أخرى!!
المخرج: لقد تجلّت الحقائق..
زهير: واختفت الحجب..
المؤلف: ولكن ما زال الشك يداعب شغاف بعض القلوب!!
زهير: ما يزال النور الذي احتوى جسد الإمام عليه السلام يملأ الآفاق، فاجعلوه مناراً لكم، وسيطفئ النار التي تضرمها القلوب المتشككة، فالطريق المعوجة لا بدّ أن تستقيم، ولتعد إلى صورتها الأولى..
المؤلف (للمخرج): لقد تهيّأ لك الآن ما يعينك على طرح رؤيتك في قضية الإمام عليه السلام وأصحابه خاصة فيما يتعلّق بزهير بن القين.. درس واحد في عشق القضية العادلة .
المخرج: لكل واحد من أصحابه سر من الأسرار التي لا يمكن الوصول إلى جوهرها.. ولا يمكن الادعاء بالاحاطة بها
المؤلف: .. والآن..لننهٍ الامر .. فقد استكملت تفاصيل هذه الحلقة ، ( الى زهير ) وانت يا سيدي الجليل ستبقى حاضراً وانت الحاضر تشخص امامنا في كل موقف يتطلب منا نصرة الحق ، منكم نتعلم وسنعلمه لمن سيأتي
المخرج: ستوب كادر.. أضيئوا القاعة..
المؤلف: توقّف، ماذا تقول في عنوان المسرحية ..
المخرج : ماذا وضعت من عنوان ؟
المؤلف: أرى أن يكون العنوان (يومَ تمرّد الدم)..
المخرج: ماذا تعني؟
المؤلف: أعني أن دم الإمام عليه السلام وأولاده وأخوته وأصحابه حين تمرّد على محاولات إخفائه.. لا يزال يدور في الحواري والأزقة والمدن.. متمرداً على كل الحجب التي تحاول ان تخفيه وتسكت فورته، حتى تستقيم الخطى والطريق ، ذلك الدم الذي اختصر الازمان منذ 61 هـ الى الآن وحتى ينهي تمرده
المخرج: عنوان جيد ولكن..
المؤلف: ولكن ماذا ؟ لقد هيأ لنا السيد الجليل زهير بن القين كل المقدمات الصحيحة للتوصل الى اجتراح هذه العنوان، أما رؤيتك وصياغتك للعرض المسرحي فستـ ..
الممثل (2): ( مقاطعاً) وأنا يا استاذ ماهو دوري ؟
المخرج: اما انت يا صديقي سيكون لك دورٌ كبير في العرض الاول الذي سيبدأ بعد اسبوع من الآن ( بصوت عالي ) أضيؤا القاعة
(النهاية )
محرم الحرام 1433هـ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat