ما لا يجرؤ على قوله الإعلام الغربي
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

لم تمر مواجهة ايران الأخيرة للكيان الصهيوني مرور الكرام، دون أن تحدث أثرا بالغ الأهمية في أنفس الشباب الايراني، وحتى الشباب المسلم المؤمن بجدوى مقاومة الاستكبار والصهيونية العالميين، فقد احدثت الايام الاثني عشر من سجالات الحرب، قناعة راسخة في انفس هؤلاء الاعزاء، بأنه لا سبيل للخلاص من هيمنة الغرب بدوله وادواته بغير مواجهته والوقوف بندية في وجهه، وثبت يقينا في عالم هيمنة قوى الغرب الاستكبارية أن السبيل الوحيد لنيل حقوق الشعوب هي القوة ولا شيء غيرها.
هذه القوة التي كانت شبه مفقودة فيما مضى من تاريخ وجود الكيان الصهيومني غاصبا ومحتلا لارض فلسطين، وصاحب مشروع توسعي لم يعد خافيا، أصبحت اليوم ظاهرة سجلتها بامتياز كبير القدرات العسكرية الايرانية، بحيث طوت انجازاتها صفحات خيبة مواجهات جيوش عربية منيت بهزائم ما كان لها ان تقع لو كانت هناك ارادة حقيقية على مواجهة العدو الصهيوني وانهاء وجوده.
قد يصدق الاعلام الغربي في بعض مقالاته، لعل ذلك نابع من مواقف بعض محللي أحداثه، الذين لم يجدوا بدا من التصريح بها واظهارها لمن سيطلع عليها، من باب ان ضضشضضض تنوعا في وجهات نظر كتابه، ومن غير اللائق بهذا الغرب، أن تعمى أعينه وتصم آذانه جميعا، أمام نتائج سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تميز بها شعب من الشعوب المعتبرة عدوا لمنظومته، فيقر بعض كتابه وخبرائه بواقع قد لا يعجبهم، لكنهم مجبرين على الاعتراف به، أمام ظهور حقيقته كما المثل مكره أخاك لا بطل.
في هذا المجال نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا بعنوان: (هجوم إسرائيل غيّر مستقبل إيران السياسي) ادعت فيه المجلة أن أهم وأدوم تأثير لحرب الـ12 يومًا هو تغيّر نظرة الشباب الذين وُلدوا بعد الثورة الإسلامية، ونشأوا في عصر الإنترنت وتحت تأثير وسائل الإعلام الغربية، هؤلاء الشباب الذين كانوا قد ابتعدوا في السنوات الماضية عن أيديولوجية الجمهورية الإسلامية، بدأوا الآن يعيدون النظر في موقفهم من الغرب، ويؤمنون بخطاب المقاومة الذي يتبناه النظام الإيراني. وهم يقولون اليوم: (يجب تعزيز البرنامج الصاروخي، والقوات الإقليمية، وخطاب المقاومة، حتى تبقى إيران دولة مستقلة وقوية.) (وخلصت فورين بوليسي إلى أن هذا التحول يُعد إرثًا كبيرًا لمستقبل إيران، وإن استمر، فسيُشكّل السياسات الداخلية والإقليمية للبلاد لعقود)
لئن اعترفت المجلة الامريكية بنصف حقيقة تغير طرا على قناعات جانب من الشباب الايراني وبالتأكيد ان هذا القسم يخص أولئك الذين كانوا مهزوزي الثقة بالنظام الاسلامي واقعين تحت تاثير الدعايات الغربية المعادية، وقسم اخر من الشباب المسلم الذي كان بعيدا عن استيعاب قدرات ايران السياسية والعسكرية بتاثير حملات الدعايات الغربية المعادية.
ويتجاهل الاعلام الغربي دائما حاضنة النظام الايراني الشعبية، التي لم تتناقص في يوم من الايام بتاثير دعاياته ومؤامراته، وايران في اصعب حالاتها الامنية واسوا حالاتها الاقتصادية، كما لم تؤثر فيها من قبل حرب عدوانية مفروضة استمرت ثماني سنوات، ومع استنزافها لمقدرات البلاد فقد زادت النظام صلابة وقوة وتماسكا داخليا، خلاف ما كانت تأمله أمريكا والغرب من توهينه وتفكيك أركانه.
هذا ولم تكن حاضة النظام الاسلامي داخل ايران في يوم من الايام مهتزة، بل ان تماسكها والتفافها حول نظامها أكدا أنه يمتلك شعبية قوية متجذرة ليس في داخل ايران وحدها بل حتى خارجها، حيث ارتفعت ارصدتها بشكل ملحوظ بعد حرب الاثني عشر يوما التي اعطت صورة واضحة عن ايران عسكريا وهي على اعتاب 46 سنة من الحصار والعقوبات المفروضة عليها، ومع ذلك أثبتت انها عند مستوى التحدي، اظهرت قدرات دفاعية وهجومية لم يكن العدوان اللدوان امريكا واسرائيل يتوقعانها.
من هذا الجانب بالامكان القول، بأن شريحة معينة من الشباب الايراني ممن ابتعدوا بفعل تاثير الدعايات الغربية عن الالتفاف حول نظامهم، قد عادوا من جديد الى موقعهم القاعدي في مناصرته، بعدما اظهره من قوة وقدرة على التعاطي الايجابي مع مستجدات العدوان على بلادهم، وقد فاجأ العالم باسره اصدقاء واعداء بنجاحات باهرة، جعلت أسهمه الشعبية ترتفع داخليا وخارجيا.
ما لم تخلص اليه المجلة الامريكية وكاتب مقالها، وفاتها أن تشير اليه، العقيدة الاسلامية التي يحيا عليها الايرانيون خصوصا والمسلمون عموما، وصنعت الفارق في المواجهة، وهي العامل الذي أحدث الفارق على مستوى البلاء الحسن في خدمة نهج الولي الممهد لدولة العدل الالهي، على مستوى التصنيع العسكري والابتكار ابتقني، وعل مستوى حاضنته الشعبية المتزايدة يوما بعد يوم بعد ما لمسه العالم من انكسار جبهة الصهيونية في عدوانها السافر والغادر على ايران.
نجاح ايران وانتصارها في هذه المواجهة لا شك فيه، ولو لم تكن كذلك، لما التمست امريكا منها وقف اطلاق النار، ولاستمر العدوان عليها الى اخر المطاف، وهو ما سيعطي ايران مجالا لاداء واجب تشييع قياداته العسكرية والالتفات الى السلحة الداخلية وتطهيرها من العملاء، والاستعداد لجولة جديدة من المعركة، لن تكون مثل سابقتها هذه المرة واعداء ايران يدركون جيدا ما ينتظرهم، ومع ارتباكهم وتخبطهم لم يعد لهم خيار في حتمية المواجهة، باعتبار ان كل طرف له اهدافه منها، طرف هو صاحب حق في قراره موتجهة قوى الاستكبار والهيمنة وهي ايران، وطرف غربي ارهق العالم باعتداءاته، فلم يترك بلادا دون ان يثخنها اضرارا متفاوتة الخطورة وهي امريكا ومنظومتيها الغربية والصهيونية.
مختصر القول هنا ان الشباب الايراني المؤمن بعدالة قضايا نظامه التحررية من القوى الظالمة المعتدية، سيكون في الموعد القادم من المواجهة اشد ايمانا ويقينا بحقانية مطالبه العادلة، وسيكون النصر حليف طاعته وحسن اتباعه، وهذا ما لم يخلص اليه كاتب المقال ولا علقت عليه مجلة فورين بوليسي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat