صفحة الكاتب : رياض سعد

مشروع الهوية الرافدينية : نحو تأصيل وطني يتجاوز الطائفة والعرق والمنطقة
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مقدمة:

في خضم الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يعاني منها العراق الحديث، برزت الحاجة إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية بعيدًا عن المحاصصات الطائفية والعرقية، وإحياء مشروع شامل ينطلق من الجذور الحضارية الرافدينية ... ؛  تقدم هذه المقالة الموجزة رؤية فكرية تأصيلية لمشروع "الهوية الرافدينية" بوصفه ضرورة حضارية تستمد قوتها من التاريخ العراقي العميق، وتسعى إلى إعادة بناء الإنسان العراقي وفق فهم جامع للذات يتجاوز الأطر المستوردة والمفروضة.

أولاً: الخلفية التاريخية للهوية العراقية

لقد كان العراق مهدًا للحضارات الأولى في التاريخ البشري، حيث ظهرت في سهوله حضارات سومر وعيلام وأكد وبابل وآشور [1]، وتمخضت عنها أعظم الابتكارات البشرية مثل الكتابة (الخط المسماري في أوروك)، والعجلة، والقانون المدون (شريعة حمورابي)[ 2].

ولم يجانب الحقيقة والصواب  المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي عندما قال : "من لا يعرف العراق، لا يعرف أصل الحضارة"[3].

إلا أن الهوية العراقية في ظل الاحتلالات الاجنبية , وتواصل الهجرات الخارجية , وتغلغل الفئة الهجينة في البنية الحكومية والاجتماعية والثقافية - حتى عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بل استمر الوضع الى  ما بعد 2003 - ؛ أُغرقت في هويات فرعية بديلة وثقافات دخيلة وهجينة مزّقت الانتماء الوطني، وجرّت البلاد إلى مستنقعات الطائفية والعنصرية والمناطقية والانقسام والتشرذم .

ثانيًا: الهوية الرافدينية كمشروع وطني جامع

يمثّل مشروع "الهوية الرافدينية" واحياء امجاد الامة العراقية ؛ دعوة لاستعادة البعد الروحي والتاريخي للعراق بوصفه كيانًا حضاريًا عريقًا لا مجرّد حدود جغرافية أو انتماءات حزبية وطائفية وعرقية وقومية وفئوية ومناطقية وعشائرية ... ؛  هذا المشروع لا يسعى إلى خلق قومية جديدة، بل إلى بعث شعور وطني عميق يرتكز على:

أن العراقي هو ابن دجلة والفرات والاراضي العراقية التاريخية حتى المسلوبة والمغتصبة منها ... ؛  لا ابن العرق أو الدين أو المذهب أو الحزب أو العشيرة  ... ؛ أن الهوية العراقية  لا تُصنّع، بل تُستعاد من الذاكرة الحضارية العريقة ... ؛ فالإنسان العراقي هو وريث أول حرفٍ، وأول قانون، وأول مدينة عرفها التاريخ[4].

ثالثًا: التحديات التي تواجه مشروع الهوية العراقية

*الطائفية السياسية: تقويض الهوية الوطنية لصالح هويات طائفية ضيقة.

*القومية والثقافة المستوردة: هيمنة مفاهيم عرقية وهجينة من خارج البيئة العراقية التاريخية والوطنية والمعروفة للقاصي والداني .

*التفكك المجتمعي: الانقسام بين مكونات العراق على أساس المذهب والمنطقة والقومية ... الخ .

*الفساد والجهل والتجهيل: التجهيل المقصود لهوية الإنسان العراقي وذاكرته الجمعية.

رابعًا: عناصر المشروع وأهدافه

*التحرر من الانتماءات الفرعية لصالح هوية وطنية شاملة.

*تأصيل الانتماء للتاريخ العراقي بدءًا من سومر وحتى الدولة المعاصرة.

*بناء خطاب إعلامي وثقافي موحد يعزز المشتركات بدل الفوارق.

*إنتاج فكر وطني جديد يعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة.

خامسًا: دراسات مماثلة ومقاربات فكرية

 

من أبرز من تناول الهوية العراقية وارتباطها بالحضارة الكاتب العراقي الاصيل سليم مطر في كتابه "الذات الجريحة"[5]، حيث يقدّم قراءة نقدية للانشطار الهوياتي في المجتمع العراقي، ودعا إلى مشروع "الأمة العراقية" بوصفها الصيغة التي تعيد توحيد العراقيين.

كما برزت مقاربات قريبة في كتابات عراقيين اخريين كالدكتور فالح عبد الجبار، والدكتور علي الوردي . وحسن العلوي، وغيرهم من الذين أشاروا إلى الصراع المزمن بين الريف والحضر، والانقسام الطائفي، وأزمة الدولة الحديثة في العراق.

خاتمة: نحو بعث الهوية العراقية من رماد الانقسام

إن الهوية الرافدينية ومشروع الامة العراقية  ليست خيالاً رومانسياً، بل مشروع وطني جامع يقوم على فهمٍ عميق لجذور الإنسان العراقي وتاريخه... ؛  إنها استعادة لروح العراق التاريخي العظيم  ؛ لا كتمجيد للماضي، بل كوقود حضاري للنهوض بالحاضر والتطلع للمستقبل الزاهر... ؛  ولم و لن تقوم دولة عادلة في العراق، ما لم تُبْنَ على أساس هويّة جامعة تعترف بهويته الاصيلة وحقيقته التاريخية , وتحترم  تعدده ومكوناته , وتتخلص من سموم الفئة الهجينة والخط المنكوس ، وتسمو بالعراق والعراقي إلى مستوى المواطنة والعدالة والانتماء الحقيقي والمساواة .

...............................................

الهوامش والمراجع:

[1]: طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986. 

[2]: صموئيل نوح كريمر، من ألواح سومر، ترجمة: فيصل الوائلي، دار المدى، دمشق، 1997.

[3]: Arnold Toynbee, A Study of History, Oxford University Press, 1946. [4]: عبد الأمير الحمداني، "تاريخ العراق القديم"، مجلة الموروث، العدد 12، 2004.

[5]: سليم مطر، الذات الجريحة: الإنسان العراقي ومشكلة الهوية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/11


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • لا تعارض في البين : هوية الاغلبية في طول الهوية الوطنية لا في عرضها  (المقالات)

    • مصير الأغلبية بين ثنائية الدونية والشعارات والبرامج الطوباوية : نحو استراتيجية وطنية مستنيرة  (المقالات)

    • جنوب العراق :أرض الثروة والإهمال ... المحطات السياسية والاقتصادية لمحافظات الجنوب العراقي  (المقالات)

    • الأصدقاء: عائلة الروح ومرآة الذات  (المقالات)

    • فشل الإعلام الحكومي في معركة الوعي: العراق بين عجز الداخل وهجمات الخارج  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : مشروع الهوية الرافدينية : نحو تأصيل وطني يتجاوز الطائفة والعرق والمنطقة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net