حدثٌ عظيمٌ غير مجرى التاريخ
طارق الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق الغانمي

مع كل ربيع أول، تهب علينا نسماتٌ معطرةٌ تحمل ذكرى خالدة، تحلق بأرواح المسلمين إلى حيث منبع النور، إلى حيث ولد من غير وجه التاريخ، سيد الأنام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). لم يكن العالم قبل مولده سوى صحراء قاحلة تعصف بها رياح الجهل والظلم، عالم غارق في الظلمات، يموج بالفتن والأحقاد، حيث تُسفك الدماء بغير حق ويستبد القوي بالضعيف. كانت الأصنام تُعبد، والعقائد الفاسدة تتحكم في العقول والنفوس. وفي قلب هذا المشهد المظلم، شاءت إرادة الله تعالى أن يشرق نور مبين.
فكان ميلاده فجرًا جديدًا أضاء الكون، وحول الصحراء القاحلة إلى روضة من رياض الإيمان، حدث عظيم هز أركان العالم، وأحال ظلمات الجهل إلى شمس عدل ورحمة، وأقام صرح التوحيد والعزة، لقد اصطفاه الله وأدبه فأحسن تأديبه، فكان على خلق عظيم، لينشر السلام والمحبة في عالم كان يعاني من الفوضى والفساد.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي دعوة متجددة للتأمل في حياة فاضلة وتاريخ عريق، وإنها فرصة نستلهم من أخلاقه الكريمة، ونتأسى برحمته التي كان باعثها، وعدله الذي جاهد من أجله. إنها تذكرة بأن الاحتفاء به ليس بإقامة المحافل وإلقاء الأناشيد فحسب، وإنما بتجسيد قيمه ومبادئه في تفاصيل حياتنا.
وهنا يبرز الشعب العراقي كنموذج فريد في الاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة، إذ يتصدر الساحات عالميًا في إحيائها، ويثبت للعالم أن قوته مستمدة من إيمانه العميق، وأن صموده ليس إلا انعكاسًا للقيم النبيلة التي استلهمها من سيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن احتفالهم هو رسالة للعالم بأن المبادئ السامية لا يمكن أن تموت، وأن قوة الإيمان لا تهزم. فليكن احتفالنا بذكرى المولد النبوي الشريف دعوة للوحدة والعمل الجاد على القضاء على الفساد، ولنتذكر دائمًا أن قوتنا في اتحادنا، وأن النصر يأتي بالصبر والثبات، وأن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القدوة التي يجب أن نهتدي بها في كل تفاصيل أعمالنا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat