الإمام المهدي القوة الجاذبة للكون
طارق الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق الغانمي

إن العلاقة التي تربطنا بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) تتجاوز حدود العاطفة والمحبة المجردة، فهي علاقة فكرية وعقائدية وعملية تقوم على إدراكنا لمكانتهم المباركة التي منحها الله لهم، وتستند إلى الالتزام بعقيدة مقدسة ومنهج عملي للحياة: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾(ال عمران/31)، يؤكد أن المحبة الحقيقية تكمن في الاتباع والالتزام، وهذا هو جوهر العلاقة فهي مزيج من العاطفة والعمل.
وهذا العمق الاستراتيجي يتجلى بأبهى صورة في علاقتنا بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فهي علاقة ارتباط بإنسان كامل وحي، يعيش بيننا ويرانا وإن كنا لا نراه، يعرفنا وإن كنا لا نعرفه. الإمام الذي يسددنا ويوجهنا نحو ما فيه مصلحتنا ومصلحة الأمة، وهو قوام الكون وأمانه، ويمثل قوة توجيهية دائمة، وجوده حيّ يتحرك بيننا، وقائد خفي ينسق شؤون العالم. كيف لا وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن "الأئمة أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء"(1)، "ولولا وجوده لساخت الأرض بأهلها"(2)، وكما أشار آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي (طاب ثراه) بقوله: "وقد اتضح أيضا أن وجود الإمام المعصوم في كل عصر وزمان أمرٌ حتميٌ وضروريٌ حتى ولو كان غائباً ومستوراً"(3). فوجوده بحد ذاته هو بمثابة وثيقة تأمين كونية، ودرع سماوي يحمي الأرض من الانهيار، تماماً كما تحمي النجوم السماء، فبدون لطفه الإلهي، سيسود العالم الفوضى.
إن أثر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يضطلع بدور عظيم في رعاية الأمة وتسديدها، فلو سحب ألطافه ولو للحظة واحدة، لكان حال المجتمع الإسلامي في انحطاط وضياع لا يعلمه إلا الله تعالى. إن إشرافه الاستراتيجي واضح في رسائله المباشرة، ففي رسالته للشيخ المفيد (طاب ثراه) كشف عن جوهر مهمته الاستراتيجية بقوله: "إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء"(4)، هذه الكلمات تذكير لنا بأن الإمام يرعى أحوالنا ويدافع عنا، ويطلب منا أن نتقي الله ونتعاون على الخروج من الفتن.
وفي نهاية المطاف، فإن أعمالنا وأفعالنا هي مرآة حقيقية لعلاقتنا بإمام زماننا، وتعرض عليه، وتحدد ما إذا كنا نخطو نحوه أو نبتعد عنه، فكل عمل صالح يجلب له الفرح، وكل تقصير يورثه الحزن. وهذه المعرفة تضعنا في ساحة معركة التزكية الذاتية، وتضع على عاتقنا مسؤولية عظيمة تتمثل في تطهير نفوسنا ومراقبة أعمالنا، لكي تكون مرضية لله تعالى، ومرضية لإمام زماننا (صلوات الله عليه).
إننا مدعوون لأن نتخذ من حياتنا مشروعًا يرضي الله ويهيئ لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فلتكن أفعالنا الوقود الحقيقي لشراكة فعّالة تنتظر الإعلان عن نفسها في يوم الظهور، حيث نُعدّ المسرح لانتصاره الأخير. فالهدف من الحياة هو صياغة حياتنا لتكون تحفة فنية ترضي الله ﷻ، وإمامنا (عليه السلام)، وهذه هي الشراكة الاستراتيجية الفعّالة في بناء عالم أفضل خالٍ من التعقيدات والفساد والظلم، عالم يحافظ على أمان الأرض ويمنع الانهيار والفوضى، ويقيم العدل الكامل في ربوع المعمورة.
_____________
1- علل الشرائع: ص 123.
2- شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني، ج١، ص٣٠٢.
3- الامام المهدي عدالة منتظرة، فوزي آل سيف، ج1، ص142.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٥٣، ص١٧٥.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat