فشل الإعلام الحكومي في معركة الوعي: العراق بين عجز الداخل وهجمات الخارج
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

منذ عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من تاريخه السياسي، أُريد لها أن تؤسس لتجربة ديمقراطية تقوم على التداول السلمي للسلطة، وبناء نظام سياسي يستند إلى تمثيل شعبي واسع، يحفظ حقوق الأغلبية العراقية وبقية المكونات ضمن إطار الأمة العراقية الجامعة... ؛ إلا أن هذه التجربة – على الرغم من كل ما تحمله من فرص – وجدت نفسها في مواجهة معركة إعلامية شرسة، لم يكن الإعلام الحكومي مؤهلاً لإدارتها أو التصدي لها، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
العراق، حتى هذه اللحظة، لا يمتلك قوة إعلامية رقمية منظمة وموجهة للخارج فضلا عن الفضائيات المؤثرة في الرأي العام كالجزيرة او الحرة او العربية ... ، على عكس دول مثل الإمارات وتركيا وإيران والسعودية ... ،؛ والتي نجحت في توظيف أدواتها عبر منصات التواصل الاجتماعي والاعلام العام لبناء صورة ذهنية عالمية والتأثير في الرأي العام الدولي... ؛ وهذا الغياب العراقي عن المشهد الإعلامي الخارجي جعل صورته تُصنع في الغالب عبر أدوات خصومه سواء الخارجيين أم الداخليين ، الذين لا يترددون في تضخيم السلبيات وتشويه الإيجابيات، وربط التجربة الديمقراطية العراقية بالفشل والفساد والفوضى... الخ .
أما على الصعيد الداخلي، فإن خصوم العراق يديرون عمليات إعلامية رقمية هجومية وفاعلة بالإضافة الى الاذاعات والفضائيات والصحف والمراكز الثقافية والمنظمات المدنية ... ؛ تستهدف بنية الوعي الجمعي، وتستثمر في نقاط الضعف والانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية، فيما يقف الإعلام الحكومي عاجزاً عن إنتاج خطاب وطني موحّد، قادر على تحصين الداخل، أو حتى الرد بشكل سريع وفعّال على حملات التضليل والتشويه والتدليس ... ؛ اذ لم يطور العراق بعد إستراتيجية رقمية معاكسة تستهدف الخارج ولم يستثمر في وسائل الاعلام المختلفة التي توجه للخارج ، مما يترك فراغاً سياسياً وأمنياً وإعلامياً في معادلة التأثير الإقليمي والدولي ، ويفتح المجال أمام قوى أخرى لتحديد السردية العراقية للعالم.
إن معركة الإعلام لم تعد مسألة ترفيه أو تسلية أو هامشية، بل تحولت إلى ساحة حرب موازية لساحات السياسة والأمن والاقتصاد... ؛ فالدول التي تدرك قيمة الإعلام في صناعة القرار الدولي وحماية الاستقرار الداخلي ... ؛ تبني منظومات متكاملة تضم خبراء ومراكز بحث وإنتاج محتوى وإدارات متخصصة بالرصد والتحليل والتخطيط الاستراتيجي، وتعمل على دمج العمل الإعلامي مع الدبلوماسية والسياسة الخارجية.
أما في العراق، فما زال الإعلام الحكومي يتحرك بعقلية بيروقراطية ثقيلة، يطغى عليها الطابع الإنشائي والخطاب التقليدي، بعيداً عن الفعالية الرقمية والقدرة على مخاطبة الأجيال الجديدة بلغة العصر... ؛ و النتيجة أن السردية العراقية الرسمية شبه غائبة عن الفضاء الدولي، في حين تنمو وتترسخ السرديات المعادية.
*مقارنة بين أدوات الإعلام المعادي وأدوات الإعلام الحكومي العراقي
الإعلام المعادي يمتلك غرف عمليات رقمية متكاملة، تدمج بين التحليل النفسي والاجتماعي والسياسي، وتستفيد من الخبراء، والمراكز البحثية، وحملات التأثير الممولة، مع توظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وخوارزميات النشر الموجه.
الإعلام الحكومي العراقي ما زال يعتمد على البث التقليدي والخطاب الرسمي الجامد، دون استثمار كافٍ في تقنيات الرصد والتحليل، ودون خطط استباقية لإدارة الأزمات الإعلامية، مع ضعف واضح في صناعة المحتوى الموجه للخارج بلغات وأساليب تناسب الجمهور المستهدف... ؛ وهذه الفجوة جعلت العراق في موقع رد الفعل بدل المبادرة، مما أضعف قدرته على التحكم في صورته الإقليمية والدولية.
*خطة إصلاحية عملية
*إنشاء مركز وطني للإعلام الاستراتيجي يضم خبراء في العلاقات الدولية، وإدارة الأزمات، وصناعة المحتوى، مع أقسام متخصصة للرصد والتحليل والمتابعة.
*تطوير منصات وفضائيات إعلامية دولية متعددة اللغات تعكس الرواية العراقية الرسمية والشعبية، وتخاطب الرأي العام العالمي مباشرة.
*تدريب الكوادر الإعلامية على تقنيات الإعلام الرقمي والحرب النفسية، وكيفية إدارة الحملات المؤثرة على الرأي العام.
*الربط بين الإعلام والدبلوماسية بحيث يصبح الخطاب الإعلامي جزءًا من السياسة الخارجية العراقية، وليس مجرد أداة داخلية.
*إشراك المجتمع المدني والنخب الفكرية في صياغة السردية الوطنية، لإضفاء التنوع والمصداقية على الخطاب الإعلامي.
*الخاتمة
التجربة الديمقراطية في العراق، بكل ما تحمله من تحديات، تحتاج إلى إعلام وطني محترف، يتجاوز دور التغطية الخبرية، ليمارس دور الدفاع الاستراتيجي عن مصالح البلاد، ويحمي الأغلبية والامة العراقية من محاولات التشويه والشيطنة، ويقدم للعالم صورة متوازنة عن العراق كأمة ذات حضارة عريقة وإرادة معاصرة... ؛ وبدون هذا التحول، سيبقى العراق عرضة لحروب الوعي، التي لا تقل خطورة عن الحروب العسكرية أو الأزمات الاقتصادية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat