صفحة الكاتب : رياض سعد

الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ مقعدٍ خشبي مهترئ في مدرسة حكومية، تبدأ حكاية الشاب العراقي مع سباقٍ مرهق لا ينتهي... ؛ اذ يُدفع صغيراً إلى ميدان التعليم الأكاديمي، مدفوعاً بأحلام الأهل وصورة “المستقبل المشرق” التي يتباهون بها أمام الأقارب والجيران... ؛ يقضي ما يقارب عقدين من عمره متنقلاً بين المدارس والمعاهد والجامعات، حاملاً حقيبة أثقلتها الدروس والامتحانات، ومثقلاً بضغط اجتماعي متوارث يربط قيمته الإنسانية بالشهادة التي سينالها...

وحين يكتمل المشهد – أو هكذا يظن – يتخرج وهو يظن أن أبواب المجد العملي ستُفتح أمامه... ؛ لكن الواقع يسخر منه ببرود، إذ يجد نفسه أسير “سجن البطالة” أو حبيس وظائف هزيلة الأجر، لا تكفي حتى لشراء كفاف يومه... ؛ هنا تبدأ رحلة جديدة من الانكسارات: البحث عن واسطة، طرق أبواب المعارف، الانخراط في طوابير الانتظار، والانحناء أمام سطوة المحسوبيات.

نعم يعيش العراقي عمرا طويلا بين مناهج بائسة وكوادر مرهقة، فقط ليُمنح ورقة تسمى “شهادة” يُقال إنها مفتاح الحياة... ؛ لكن حين يخرج بها إلى العالم، يكتشف أن الأبواب ليست مغلقة فحسب…؛ بل مسمّرة ومختومة بالشمع الأحمر.

  • تبدأ لعبة “انتظر دورك” التي تديرها الدولة بمهارة... ؛ مئات الآلاف من الخريجين يكدّسون سنوات عمرهم على أرصفة البطالة، بينما الوظائف تُوزَّع على أساس الولاء الحزبي أو القرابة من أصحاب القرار... .

وإذا ظنّ أنه وجد فرصة عمل، وجد نفسه أمام راتب لا يكفي لدفع إيجار غرفة صغيرة... ؛ ومع ذلك، تُلقى على كتفيه مهام الزواج وتأسيس بيت وتأثيثه، وكأنه يمتلك عصاً سحرية... ؛ وعندما يتزوج تتضاعف الالتزامات: أطفال بحاجة إلى رعاية، مدارس تتطلب مصاريف، أمراض تستدعي علاجاً، وديون تتراكم... ؛ و يتحول يومه إلى سلسلة لا تنتهي من العمل المجهد والمطالب المستنزفة، حتى تتآكل أحلامه بصمت في زوايا حياته.

لكن القصة لا تنتهي هنا؛ فثمة منافسة غير عادلة تتربص به في سوق العمل، من خلال تدفق العمالة الأجنبية والوافدين الذين يزاحمونه في مهنه القليلة وفرصه المحدودة ، ويضغطون على الأجور نحو الحضيض، في ظل غياب تخطيط حكومي يحمي اليد العاملة الوطنية... ؛ يصبح الشاب العراقي في هذه المعركة كالمصارع الوحيد في حلبة تكتظ بالخصوم، بلا دعم أو حماية.

ومع مرور الوقت، يتحول كثير من هؤلاء الشباب إلى أسرى روتين خانق، يهربون منه بالجلوس في المقاهي، وتدخين النرجيلة، أو حتى الإدمان على المخدرات... ؛ أما الحياة نفسها، فتغدو دائرة مغلقة من التعب والالتزامات المتكررة، حيث تتحول الطموحات إلى ذكريات، والأحلام إلى أطلال باهتة.

هكذا، يُكتب على الشاب العراقي أن يعيش بطلاً لمسرحية سوداء، فصولها تتكرر، ونهايتها غامضة، حيث لا يموت الحلم فقط… ؛ بل يُدفن حياً تحت ركام الأيام... .

في النهاية، الشاب العراقي ليس عاطلاً فقط، بل مُحاصَر بين دولة تتقن التهميش، وسوق عمل يبتلع كرامته، وواقع اجتماعي يستهلك ما تبقى من حلمه. هنا، لا تموت الأحلام وحدها… بل يُدفن معها جيلٌ كامل تحت أنقاض وطن لا يريد أن يستيقظ.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/21



كتابة تعليق لموضوع : الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net