بين الأمس واليوم
لؤي عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لؤي عبد الرزاق فرج الله

(ما أشبه الليلة بالبارحة) أو (ما أشبه اليوم بالأمس).. من الأمثال التي استشهدت بها العرب وتداولتها الألسنُ عند تكرار الأحداث في زمانٍ مغاير، وتشابهها وتطابقها الى حدٍّ كبير بغضّ النظر عن اختلاف شخصيّات الحدث أو مكانه، وقد ورد نفسُ ذلك المعنى في القرآن الكريم الآية/69 من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: (كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا...) التوبة:69.
وقد ذكر أبو الفضل الميدانيّ في (مجمع الأمثال- ج2/ ص275/ رقم3831) معناها فقال:
"ما أشبه الليلة بالبارحة، أي ما أشبه بعض القوم ببعض.. ويُضرب في تساوي الناس في الشرّ والخديعة. وتمثَّلَ به الحسن(رضي الله عنه) في بعض كلامه للناس. وهو من بيتٍ أوّله:
كلُّهُمُ أروغُ مِنْ ثعلبٍ *** ما أشبَهَ اللّيلَةَ بالبارِحهْ
وإنّما خصّ البارحة لقربها منها، فكأنّه قال: ما أشبه الليلة بالليلة، يعنى أنّهم في اللؤم من نصابٍ واحد، والباء في "البارحة" من صلة المعنى، كأنّه في التقدير شيءٌ يشبه الليلة بالبارحة، يقال: شبّهتُه بكذا وبكذا.. ويُضرب عند تشابه الشيئين ا.هـ.
ما يتعلّق بموضوعنا – بعيداً عن الإطالة - هو أنّه بالأمس القريب قد اغتيل المقاتلُ الشجاع (مصطفى العذاري) ابنُ مدينة الصدر على يد عصابات الإرهاب داعش في مدينة الفلوجة العراقيّة، فالتحق الى ربّه شهيداً شاهداً على ظلم وإجرام ووحشيّة قومٍ يدّعون أنّهم مسلمون والإسلامُ منهم براء، والموقف الذي كان منه أنّه لم يُطأطئْ لهؤلاء الأراذل رأساً ولم يرهبْه منهم تهديدٌ ولم يُخِفْه وعيد، بل أنّه – كما صوّرته كاميراتهم - ظلّ شامخاً منتصباً كالطود العظيم الذي لا تهزّه العواصف الصفراء ولا تخيفه الوجوه السوداء، فاعترت الساحة ردودُ الفعل الغاضبة إزاء هذا الفعل الجبان الذي أقدم عليه الغادرون.
كان ذلك في الأمس.. أمّا اليوم فها نحن نرى نفس السيناريو إنّما بفصولٍ مختلفة، فالمغدور هذه المرّة ضابطٌ في الجيش العراقيّ برتبة ملازم أوّل نذر حياته وأهدى روحه فداءً لوطنه، إنّه (أبو بكر السامرائي) ابنُ مدينة العامريّة الذي عاش مدّةً طويلة من حياته في الأنبار، إنّه المثال الثاني على الصمود بوجه حفنةٍ من الجبناء الغادرين.
فكما هو الحال مع شاهدنا الأوّل – العذاري - الذي لم يحنِ رأسه لأعدائه وأعداء وطنه، نرى أنّ السامرّائي البطل لم يحنِ رأسه أمامهم – كما صوّرته كاميراتهم - أيضاً، بل أذلّ رعبهم وإرهابهم بشجاعته وكشف لا إنسانيّتهم ولا آدميّتهم وأظهرهم على حقيقتهم الوحشيّة الغادرة، فأُعدم العذاري والسامرائيّ على يد الجبناء وهما شامخان رافضان إنزال رأسيهما للمجرمين.
ولعلّ المتتبّع يقول إنّما عمد هؤلاء المجرمون الى قتل (مصطفى العذاري)؛ لأنّه من مذهبٍ مخالفٍ لهم - كما يدّعون - وأنّه مرتدّ في نظرهم، فما بالهم مع هذا الضابط العراقيّ الذي ينتمي الى نفس المذهب الذي هم عليه؟!!.
والحقيقة هي أنّ هؤلاء الدواعش الإرهابيّين لا يفرّقون بين مذهبٍ وآخر؛ لأنّهم ليس لهم دين، ويفتقرون الى الضمير الإنسانيّ، بل أكثر من ذلك هم متعطّشون لسفك الدماء بغضّ النظر عن جهة انتمائها لأيّ دينٍ أو قوميّةٍ كانت، وكلّ ما يرومونه هو تنفيذ خطط أعداء الإسلام وضربه وجعله دين القتل وسفك الدماء وسَبْي الأعراض، لكن هيهات لهم ذلك، طالما فينا شجعان مثل العذاريّ والسامرائيّ...
فالسلام عليكما أيّها الشهيدان الشاهدان.. وعلى روحيكما الطاهرة الثائرة، الفائزان بالشهادة والبالغان قمّة السعادة بالالتحاق الى ربٍّ ودودٍ كريم.
بين الأمس واليوم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat