أحياناً قد نعتاد الحزن حتى يُصبح جزءاً منا، ونصير جزءاً منه، وفي بعض الأحيان تعتاد عينُ الإنسان على بعض الألوان، ويفقد القدرة على أن يرى غيرها، ولو أنّه حاول أن يرى ما حوله لاكتشف أنّ اللون الأسود جميلٌ، ولكن الأبيض أجمل منه، وأنّ لون السماء الرمادي يحرّك المشاعر والخيال، ولكن لون السماء أصفى في زرقته، فابحث عن الصّفاء ولو كان لحظةً، وتمسّك بخيوط الشمس حتى ولو كانت بعيدةً، ولا تترك قلبك ومشاعرك وأيّامك لأشياءٍ ضاع زمانها.
كلنا يتعب.. وكلنا يعمل.. وكلنا يشعر بالإجهاد، ويحتاج الى مسحة الامل، وفسحة الرجاء.. فما هي مصادر الطاقة لها عندنا؟ ما هي مصادر التجدد لدينا...؟
هناك من يشير للسفر، وهو جلاء للهم وتجدد للروح.. لكن ليس كلنا يقدر على ذلك..!
وهناك من يقول الزيارة والتزاور والتهادي للإخوان والأقارب، هي فسحة للروح لنفض تراب وركام الهموم والالتزامات.. لكن النساء أمرهن بيد وليهن، وقد يصادف أنه لا يسمح لها بذلك..!
وهناك من يقول: الحديث مع الكبار بالسن والتواصل مع الصغار أيضاً هو من مجددات الأمل، فالأول: يعطيك التجربة والعبرة بمجالسته وحديثه.. والثاني: الطفل يعطيك الفطرة السليمة، والبراءة الغضة بتصرفاته وكلماته...
وفضلاً على كل ذلك.. لدينا مصادر كبيرة ومضخات هائبة للطاقة، ومنها:
- تلاوة القرآن الكريم، وبث الهموم له، وقراءة آياته والتدبر بكلماته، وكأنه أُنزل عليّ وهو حديث الله تعالى معي...
- الأدعية ودررها النورانية الملكوتية، واتصالها بعالم الارواح، وطلب العون من القوي الدائم، وبث الشكوى والنجوى له (جل وعلا). عملية شعورية، وفاعلة، وحركة في القلب.. وجلٌ في القلب، وقشعريرة على الجلد، كما يقول القرآن الكريم: ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ..)). (الزمر:23)
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا اقشعرّ جلدك، ودمعت عيناك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصدت قصدك)(1).
أيضاً لحظات القرب من الله تعالى، وهي لحظات انفتاحية لا تعرف لها وقتاً وعملاً محدداً، لكنها من اروع اللحظات، وكأنها الماء العذب الذي يغسل القلب المتعب، وينساب عليه انسياب الجدول الرقراق بعد ظمأ وعطب طال بصحرائه طويلاً...
وقد تكون بعد لحظة عطاء... قد تكون بعد ألم قويّ تبثه لله تعالى بصدق.. قد تكون بعد أن انقطعت بك السبل وأرجعتك لله تعالى.. قد تكون بعد توجه ليلي للعالم بالحال والمآل..
إذن، مصادر الطاقة متنوعة، فلا نتركها للا استثمار لكنوزها الدرية، او حرق لمواردها بدخان الذنوب ونار العصيان..
((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التقوَى وَاتقُونِ يَا أُولِي الأَلبَابِ)) (البقرة: 197)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أعلام الدين في صفات المؤمنين: ج9/ ص4).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat