آيات الحجاب في القرآن الكريم (ح 2) (فاسألوهن من وراء حجاب)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن كلمة حجاب "وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ" ﴿الأعراف 46﴾، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا" ﴿الأحزاب 53﴾، "وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ" ﴿فصلت 5﴾، "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ" ﴿الشورى 51﴾.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن الحجاب "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا" ﴿الأحزاب 53﴾ قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم" إلى قوله "من الحق" بيان لأدب الدخول في بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقوله: "إلا أن يؤذن لكم" استثناء من النهي، وقوله: "إلى طعام" متعلق بالإذن، وقوله: "غير ناظرين إناه" أي غير منتظرين لورود إناء الطعام بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطعام ويبينه قوله: "ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم - أي أكلتم – فانتشروا"، وقوله: "ولا مستأنسين لحديث" عطف على قوله: "غير ناظرين إناه" وهو حال بعد حال، أي غير ماكثين في حال انتظار الإناء قبل الطعام ولا في حال الاستئناس لحديث بعد الطعام. وقوله: "إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم" تعليل للنهي أي لا تمكثوا كذلك لأن مكثكم ذلك كان يتأذى منه النبي فيستحيي منكم أن يسألكم الخروج وقوله: "والله لا يستحيي من الحق" أي من بيان الحق لكم وهو ذكر تأذيه والتأديب بالأدب اللائق. قوله تعالى: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، ضمير "هن" لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسؤالهن متاعا كناية عن تكليمهن لحاجة أي إذا مست الحاجة إلى تكليمكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلموهن من وراء حجاب، وقوله: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" بيان لمصلحة الحكم. قوله تعالى: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" إلخ، أي ليس لكم إيذاؤه بمخالفة ما أمرتم في نسائه وفي غير ذلك وليس لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم أي نكاحكم أزواجه من بعده كان عند الله عظيما، وفي الآية إشعار بأن بعضهم ذكر ما يشير إلى نكاحهم أزواجه بعده وهو كذلك كما سيأتي في البحث الروائي الآتي.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن الحجاب "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ " إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ " وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ " ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا " إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا" (الأحزاب 53) "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم" في الدخول بالدعاء "إلى طعام" فتدخلوا "غير ناظرين" منتظرين "إناه" نضجه مصدر أنى يأنى "ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا" تمكثوا "مستأنسين لحديث" من بعضكم لبعض، "إن ذلكم" المكث "كان يؤذي النبي فيستحيي منكم" أن يخرجكم، "والله لا يستحيي من الحق" أن يخرجكم، أي لا يترك بيانه، وقرئ يستحي بياء واحدة، "وإذا سألتموهن" أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم "متاعا فاسألوهن من وراء حجابٍ" ستر، "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" من الخواطر المريبة، "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" بشيء "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله" ذنبا "عظيما".
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن الحجاب "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا" ﴿الأحزاب 53﴾ أي لا تمكثوا بعد الطعام إطلاقا، لا للاستئناس بالحديث ولا لغيره، وإنما ذكر سبحانه الاستئناس بالحديث لأن المكوث في الغالب يكون لهذه للغاية. ويومئ ظاهر الآية إلى أن بعض الصحابة كان يدخل بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير إذن جريا على عادة الجاهلية، وانه كان إذا رأى طعاما يوقد عليه في بيت النبي ينتظره للأكل، وانه كان يجلس بعد الطعام للحديث والسمر.. وليس من شك ان هذا النوع من التطفل وسوء الأدب يؤذي كل إنسان نبيا كان أو غير نبي، ومن أجل هذا أدّب النبي الصحابة وغيرهم بأن لا يدخلوا أي بيت من البيوت إلا بعد الإذن من أهله - وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الآية 28 من سورة النور - وأن لا يقصدوه من أجل الطعام إلا بعد الدعوة على أن يأتوه بعد إعداد الطعام، ولا يتخلفوا بعد الانتهاء منه. ولا يختص ذلك ببيت النبي وحده، وإنما ذكره سبحانه لأنه السبب الموجب لنزول الآية، وقلنا أكثر من مرة: ان سبب النزول لا يخصص عموم الآية. "إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ واللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ" ﴿الأحزاب 53﴾. المراد بالحق الذي استحيا منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقه الشخصي، وهو إخراج الثقلاء والمتطفلين من بيته، سكت النبي عنه حياء منهم، فنبه سبحانه إلى أن بقاءهم بعد العام يؤذي النبي، وكذلك دخولهم على بيته من غير إذن، وفي الحديث: الحياء شعبة من الإيمان، ومن لا حياء له لا إيمان له. وفي حديث آخر: لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول الناس: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. وقد جاء في وصف النبي: انه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وفي نهج البلاغة: لا إيمان كالحياء والصبر، وكان العرب يمدحون العظيم بالحياء، قال الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام: يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم إلا حين يبتسم. ومن الطريف ما جاء في محاضرات الأدباء للأصفهاني: ان طفيليا عوتب على تطفله، فقال: لقد تطفل بنو إسرائيل على اللَّه، ألا نتطفل نحن على الناس؟. "وإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ". ضمير "هن" يعود لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما ذكر المتاع فهومن باب المثال، لا من باب التخصيص به ونفي الحكم عن غيره، ويدل على ذلك قوله تعالى: "ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ" حيث يشعر بأن الاختلاط وإزالة الحجاب بين النساء والرجال يؤدي إلى الفساد والفتنة، ومعنى هذا ان الاختلاط محرم، أوان الأولى تركه على الأقل وبهذا يتبين معنا ان الاختلاط سبب لإثارة الغريزة الجنسية، وليس سببا لتهذيبها وكبح جماحها كما يدعي من يقول: قال اللَّه وأقول "ومن أصدق من اللَّه حديثا" (النساء 87). "وما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً" ﴿الأحزاب 53﴾. هذا الحكم من خصائص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحده لأن أزواجه بمنزلة الأمهات للمؤمنين. وفي تفسير الرازي، وروح البيان لإسماعيل حقي: (ان هذه الآية نزلت حين قال طلحة بن عبيد اللَّه التيمي: لئن مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأتزوجن عائشة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat