صفحة الكاتب : محمد قاسم الطائي

ظاهرة الانتحار كيف نقرأها؟!
محمد قاسم الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 حالاتُ الانتحارِ التي تسيَّدت جدل هذه الأيام - منبهٌ كاشفٌ أن العلم وحده مهما كثرت تفرعاته وتنوعت تخصصاته- لن يكتب طريق النجاة والسلامة للإنسان مالم ينضم إليه شيء آخر وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل في ضوء قاعدة أن الحياة أمانة مودعة لدى الإنسان إلى حين. فالعقل والمنطق البشري السليم ينص بضرورة مراعاة وحفظ هذه الأمانة من خطر العبث والإزهاق بغير حق، ولا مبرر موجب- للانتحارِ أسباب كثيرة خاض فيها المتخصصون كثيراً من الناحية النفسية والاجتماعية والطبية، لكن ثمّة أسبابٌ لا يُسلَّط عليها الضوء بشكل كافٍ وهي :

[1]- طغيان النزعة المادية: ظاهرةُ الانتحار تتفشى كلما ضعفت نزعة التدين، وضعفت القيم المعنوية في بنية المجتمع، وغلبت عليه المظاهر المادية مثل حب المال وحالات الطمع والجشع والتنافس في الثراء والتكاثر، وللأسف أصبحت نظرة المصالح المادية هي السائدة في العلاقات والنظرات والتفكير - لا أقول هذه هي الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار، لكن أحد الأسباب المؤدِّية لنشر ثقافة الاحباط واليأس والاكتئاب في حال الخسران أو الشعور بالقصور والضِّآلةِ بالقياس مع أوضاع الآخرين، وهذا مما أفقد الاحساس بجمالية الحياة والهدف الذي خُلق من أجله الإنسان .

[2]-النظرة المثالية ياخذ الكثير من الشباب عن مفهوم الحياة صورة مثاليّة وردية بمعنى أنّها خاليّةٌ من جميع المصاعب والمتاعب والضغوطات النفسية والخسائر، وبما إنّ هذه الصورة الوردية لا يمكن أن تنسجم مع الواقع المليء بالتجارب الصعبة والمعاناة والخسائر والفشل أحياناً، وهذا مما يقود لشعور النقص والازدراء النفسي في حال الاصطدام مع تلك الصورة المثالية المفترضة التي نسجها عن الحياة، وبذلك فلكي يتخلّص من هذا الأَلم النفسي الفضيع، من ثم قد يُقدم بعضهم على الانتحار كـحلٍ حاسم للتخلص من هذه الآلآم النفسية التي حلّت به.

[3]- سابقاً حالاتُ الانتحارِ لم تكن بهذه الكثرة، 

تكاد أن تكون حالات نادرة ومعدودة جداً سنوياً بالقياس مع الوقت الراهن رغم صعوبةِ العيش الموجودة في ذلك الوقت، وعدم توفر وسائل الراحة، لكن الحياة كانت طبيعية ماشية حسب الأصول المعتادة، والسبب عدمُ وجودِ هذا الكمَّ من التعقيد في شؤون الحياة كما هو الحال اليوم، فالزواج وتكوين الأُسرة صارا صعوبة وتعقيد، والدراسةُ والنجاح والرسوب فيها قصةٌ أخرى مليئةٌ بالتوتر، وكم انتحار كان بسبب رسوبِ مادة امتحانية! - العلاقات الاجتماعية تغيرت، وأصبحت أسيرة لتعقيدات وإتيكيت مُرهق- تحصيل البيت للسكن مصيبة- مراجعة الطبيب مشكلة وصعوبة - العاداتُ والتقاليدُ التي ما أنزل الله بها من سلطان حدّث ولا حرج فيها، كل هذه الأمور ساهمت في تعقيد الحياة، وجعلها كابوساً مظلماً، بينما الحياة كانت بسيطة والأمور ماشية بشكل عفوي مريح.

[4]- نسيان الله والآخرة: وهذا أعظمُ المشكلات وأساسُ الابتلاءات، وهو نسيانٌ للذات أيضاً، قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ)، وقال تعالى (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ) ذكر الله حياة للنفوس وإشباع للذات بالمعنى والطمأنينة والسكينة (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) حضور الله في حياة المرء هو شعورٌ بقيمة الحياة التي وهبها جلَّ علاه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد قاسم الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/19



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة الانتحار كيف نقرأها؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net