صفحة الكاتب : محمد قاسم الطائي

إيمان أبي خالد الكابلي بإمامة السجاد (عليه السلام)
محمد قاسم الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

وقع الكلام في الكتب الرجالية، هل أن أبا خالد الكابلي متحد مع اسم كنكر أو وردان أم هما متغايران أم أن أحدهما اسم والآخر لقب ؟

الحقيقة الذي يظهر من كلمات الأعلام أن اسمه وردان ويلقب بــ [كنكر]، وكنيته أبو خالد الكابلي فقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله أنّه من: « أصحاب علي بن الحسين عليه السلام قال: " كنكر يكنى أبا خالد الكابلي، وقيل اسمه وردان»1؛
وعدّه الكشي في رجاله أنّه من حواري الامام السجاد (عليه السلام) وكذلك عدّه البرقي :« من أصحاب علي بن الحسين عليه السلام، قائلاً « أبو خالد الكابلي كنكر، ويقال اسمه وردان»2

وكذلك ذهب ابن داوود والعلامة لذلك، ثم العلامة الحلي قال اسمه وردان ولقبه كنكر، ثم استشهد برواية الفضل بن شاذان : « قال الفضل بن شاذان ولم يكن في زمن علي بن الحسين (عليهما السلام) في أول أمره إلا خمسة نفر، وعدّ منهم أبا خالد الكابلي واسمه وردان ولقبه كنكر »3 والذي يهمنا في المقام أنّه من طبقة أصحاب الامام السجاد (عليه السلام)، كما لا يهمنا أيضاً سواء كان اسمه كنكر أو اوردان ما دام رواياته التي نحن بصددها جاءت بعنوان (أبو خالد الكابلي) الذي وقع بمشكلة المذهب الكيساني، ويبدو ذلك في بدايات نشوءه وتكوينه الفكري، ثم تعرّض للمطاردة والتهديد بالقتل من قبل طاغية عصره (الحجاج) فقد روي حينما أراد الحجّاج بن يوسف الثقفي قتله هرب إلى مكّة وأخفى نفسه فيها ونجا منه.

وبخصوص تجربة" أبو خالد الكابلي" وقصة تحوله من المذهب الكيساني إلى المذهب الحق ثمّة نكات موضوعية تضع النقاط على الحروف في حسم التحول العقائدي الذي مرّ به، ملخصها أن الكابلي كان المقرب ممن خدم شخصية السيد محمد بن الحنفية فترة من الزمن وهو يعتقد في نفسه أنّه الإمام المنصوص عليه بعد إمامة الحسن والحسين عليهما السلام، لكن الذي تبين له لاحقاً أن الإمام الأحق هو علي بن الحسين السجاد عليه السلام، اتضح ذلك لديه من خلال أسئلة استكشافية بيانية من محمد بن الحنفية نفسه ثم من الإمام علي الحسين السجاد، وبعد انكشاف الحقيقة عدل للإعتقاد بإمامة السجاد.

فعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفيّة دهراً وما كان يشكّ في أنّه إمام.

حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعاً، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين ألاّ أخبرتني أنت الامام الّذي فرض الله طاعته على خلقه قال: فقال: يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم، الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) عليّ وعليك وعلى كل مسلم.

فأقبل أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمّد بن الحنفيّة، فجاء إلى عليّ بن الحسين (عليه السلام) فلمّا استأذن عليه فأُخبر أنّ أبا خالد بالباب، فأذن له، فلمّا دخل عليه دنا منه قال:

مرحباً بك يا كنكر ما كنتَ لنا بزائر ما بدا لك فينا؟!
فخرّ أبو خالد ساجداً شاكراً لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: الحمد لله الذي لم يُمتِني حتى عرفت إمامي، فقال له عليٌّ: وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟! قال: انك دعوتني باسمي الذي سمّتني اُمّي الّتي ولدتني، وقد كنت في عمياء من أمري، ولقد خدمت محمّد ابن الحنفية عمراً من عمري ولا أشكّ إلا وأنّه إمام.

حتى إذا كان قريباً سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك، وقال: هو الإمام عليّ وعليك وعلى خلق الله كلّهم، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك سميتني باسمي الذي سمتني اُمّي فعلمتَ أنّك الامام الذي فرض الله طاعته عليّ وعلى كل مسلم»4

ويستفاد من الرواية أمور :

الأول :نفي إدعاء الامامة المزعوم والاقرار بحقانية الإمام علي بن الحسين السجاد، بقرينة القول عليّ وعليك وعلى كل مسلم، وأن سؤال الكابلي من محمد بن الحنفية دليل بذاته أن محمداً لم يدع الامامة أصلاً، إذ لا يُعقل أنّه كان من الملازمين له سنين من عمره بهذا الكم الزمني المذكور، ولم يسمع منه ولا مرة واحدة دعوى الامامة لنفسه خصوصاً إذا كانت فترة المعاشرة ليست بالقصيرة كما يقول خدمته عمراً، وإلا لما رام السؤال منه مباشرة، وهذا يقرب من جهة أن مسألة دعوى الامامة كانت حكاية منسوجة على محمد بن الحنفية فهي أشبه بشائعة مكذوبة اُلبس بها، وبعد أن سأل تبين الحق الذي لا مرية فيه .

فإن قلت : أن أبا خالد الكابلي أقسم على محمد بن الحنفيّة بأقسام مغلّظة من قبيل بحرمة الله وحرمة رسول الله وأمير المؤمنين، بأن يُخبره بالإمام المفترض الطاعة، وهذا ما يلوح منه أن الكابلي لديه شعور مسبق أن محمداً لديه شيء، أو يضمر في نفسه ولم يفصح عنه أو يُبين، ولذلك أقسم عليه بذلك بهذا القسم ؟

قلت : لا ملازمة في ذلك فعدم البيان لا يعني ضرورة الاقرار بصحة المعتقِد والابقاء على ما عليه، وإنما ذلك منوط بأسبابه الذاتية والموضوعية التي لا يُعلم تفاصيلها، وهذا مبني برتبة سابقة على مقولة أن محمد بن الحنفية كان يعلم أن أبا خالد الكابلي معتقد بإمامته، ولم يرشده أو يبين له حقيقة الأمر، وهذا لا دليل عليه في المقام .

ثانياً : أن سؤال الكابلي لمحمد بن الحنفية منبه بل كاشف حول ضرورة الاعتقاد بالامامة الالهية في تلك الفترة بالتحديد، وليس كما قال بعضهم أن الامامة الشيعية كانت من تجاذبات المتكلمين وصناعتهم فيما بعد القرن الثالث هجري، هذه الروايات وأضرابها داحضة لهذا القول ومبينة لزيفه، وبهذا يتضح سر مقولة محمد بن الحنفية للكابلي التي أشار فيها لمخاطبة الامام السجاد قائلاً له، أنّه الامام "عليّ وعليك وعلى خلق الله كلّهم" فهو الحجة المنصوص عليه والمؤهل لموقع الامامة الالهية.

ثالثاً : يستفاد من الرواية أعلاه روح الاجلال والاكبار التي يكنّها محمد بن الحنفية لابن أخيه الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) فهو عارف بحقّه وبكمالاته العظيمة، ولم يكن متنكراً لها بأيّ حال، وهذه الخلال الخُلفية تُنبأ عن عراقة الزهد والبصيرة التي يتمتع بها محمد بن الحنفية ولم يكن أمره كحال بعض أبناء الأئمة المنحرفين الذين غرتهم مطامع الدنيا وزخارفها مما أبعدتهم عن نهج الصواب والهداية، ثم هذه الرواية مبطلة لكل الأقوال التي حيكت حول محمد بن الحنفية بدعوى الامامة فكفى بها شاهداً ودليلاً .

وأخيراً من الخطأ الفادح التعامل مع المواقف والشخصيات التاريخية بطريقة الإرتجال والاستحسان ورمي الكلام على عواهنه، فهذه الطريقة لا تبني علماً ولا جيلاً ولا فكراً ناهضاً، التاريخ منجم الأجيال، والطاقة المتحركة التي توقد الحاضر ويستشرف المستقبل، أمّا بالسلب أو الايجاب، فمن غير الصحيح إغفاله أو تهميشه بالتخمين العشوائي والكلمات الجزافية اللا مسؤولة، وإنّما الوثائق التاريخية أمانة العلم لا يمكن الانفكاك عنها، الواجب قراءتها ضمن نطاق المعطيات العلمية الصحيحة، والأخذ بنظر الاعتبار قيمة تأثيرات النتائج على صعيد الواقع والمجتمع؛ ولئن كانت الأمم والشعوب تعتزّ بتراثها وتاريخها، فإنّ من الحكمة والصواب الاستفادة من تاريخ أسلافنا عبر مراجعة مواقفهم وتراثهم ورواياتهم ومروياتهم ثم القيام بتنقيبها وتمحيصها وصقلها عبر خطوات منهجية مدروسة والانطلاق بها نحو إضاءة الحاضر وتنوير المستقبل.
______

1- رجال الطوسي ص 119

2- قاموس الرجال ج10-ص432

3- خلاصة الأقوال ص287

4-اختيار معرفة الرجال ج1-ص337


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد قاسم الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/09



كتابة تعليق لموضوع : إيمان أبي خالد الكابلي بإمامة السجاد (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net