صفحة الكاتب : د . علي احمد الزبيدي

ثروات تُكدَّس ومواطن يُفلِس
د . علي احمد الزبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في بلدٍ يفيض بالخيرات، وتتناثر على أرضه عطايا التاريخ، ويُروى عنه في الحكايات أنه مهد الحضارات وموطن الأنبياء والأولياء والعلماء، يقف المواطن فقيرًا، حتى وإن تكدّست في بيته الأموال وكثُر فيه العيال، فهو فقير بحقوقه قبل أن يكون بجيبه.

بلدٌ بُنيت فيه أسس العدالة، وتوارثنا منه قصص الحكمة والعِبر، لكننا اكتفينا بسماعها وترديدها دون أن نجرؤ على تطبيقها، لأن من تولّى زمام الحكم فيه حوّل الوطن إلى أرضٍ تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.

تعاقب على الحكم من زعموا الشهامة والمروءة، وتغنّوا بلسان التقوى والورع، لكن الحقيقة كانت وما زالت أبعد ما تكون عن تلك الشعارات.

وبين تبدل الأحداث وتغيّر الملامح الديموغرافية، يعيش أغلب الشعب في دوامة العوز والحرمان، ليس فقط في الملبس والمأكل، بل في أبسط الحقوق التي باتت مسلّمة في دول أخرى.

في زمن الألفية الثالثة، وسط طفرة التكنولوجيا وصعود الذكاء الاصطناعي، ما زال أهل الرافدين يواجهون أزمات لا تعرف نهاية.

وكل حكومة جديدة تبدأ عهدها بلغة التبرير، متذرعة بأخطاء من سبقها، وكأننا نعيش مصداق قوله تعالى: "كلما دخلت أمة لعنت أختها". ودوماً نسمع النغمة ذاتها: "لسنا سبب المشكلة، وسنبدأ من جديد"، وفي النهاية لا جديد سوى أن الأزمات ثابتة، والوجوه هي نفسها، وما تغيّر إلا شكل الخارطة السياسية.

الكهرباء، هذه المأساة المزمنة، تنقطع منذ أكثر من ربع قرن، ومع ذلك يطلّ المسؤولون بين حين وآخر ليبشّروا بـ"غدٍ أفضل"، بينما هم يكررون النهج ذاته.

موسم الربيع هو موسم الإنجازات الوهمية، حيث تنخفض الأحمال وتختفي الشكوى، فيخرجون علينا ليعلنوا النصر، بينما في الصيف اللاهب والشتاء القارس يدفع المواطن أموالًا تحت مسمى "جباية" مقابل خدمة غائبة.

أليست المولدات الأهلية أولى بأن تكون قطاعًا حكوميًا يُدمج مع وزارة الكهرباء، وهي التي توفر طاقة أكثر من الوطنية؟ واليوم، يخرجون علينا بدعوة لشراء منظومات الطاقة الشمسية، وكأن المواطن قادر على تحمل تكلفتها، فأي جدوى إذن من وجود الوزارة وجيش موظفيها؟

إذا كانت الدولة تقول لمواطنيها: "عالج مشكلتك بمالك"، فكيف بالفقير الذي لا يملك شيئًا؟ وكيف نفهم معادلة راتب يُعطى باليد اليمنى، ليُسحب باليد اليسرى على شكل ضرائب ورسوم وجبايات؟

في قطاع الصحة، يدفع المواطن أموالًا مقابل "الخدمة الحكومية" ليكتشف أنها اسم بلا مسمّى، فلا دواء ولا علاج، فيلجأ إلى العيادات والمستشفيات الخاصة.

وإن اضطر إلى دخول مركز شرطة، فهناك تبدأ رحلة الرسوم والمصاريف، ليُقال له في النهاية: "حلها بالعشائر".

وفي دوائر الجوازات والبطاقة الموحدة، يواصل دفع الرسوم، لكنه يكتشف أن جوازه لا يُفتح به باب في العالم إلا بتأشيرات معقدة وموافقات أمنية، حتى لدى بعض الدول العربية.

 أما المرور، فعلى المواطن أن يتحمل عناء الطرق المتهالكة ثم يدفع "جباية الطرق والسلامة"، وهما مفقودان أصلاً!

هكذا، أينما اتجه المواطن، يجد نفسه أمام رسوم وضرائب وجبايات، حتى ليخيّل إليه أنه المسؤول عن تمويل الدولة، وأحيانًا عن إدارتها.

وحتى المتقاعد لم يسلم من دوامة الإفلاس، فجزء من راتبه البسيط يذهب تحت مسميات "تبرعات" و"إعانات"، بينما أصحاب المناصب العليا لا يدفعون شيئًا، لأن قانونهم غير المعلن هو: "نأخذ فقط".

المدارس والجامعات تستنزف الجيوب، والتعليم في انحدار، وبقية القطاعات لا تقدم سوى مزيد من الاستنزاف، والخدمة دائمًا "صفر", ضرائب ورسوم تُفرض، بلا أثر ملموس، وكأن المواطن يدفع ثمن الهواء الذي يتنفسه.

لله درّك يا عراق، كم هو مرير حال أبنائك، وكم تاهت بوصلة الناس فيك، بين وطن غنيٍّ بالثروات، وشعب يزداد فقرًا كل صباح.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي احمد الزبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/13



كتابة تعليق لموضوع : ثروات تُكدَّس ومواطن يُفلِس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net