صفحة الكاتب : د . علي احمد الزبيدي

صناعة الأصنام وقطيع الأغنام
د . علي احمد الزبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في كل أمة، هناك من يصنع الأصنام: وجوه سياسية تتربع على السلطة وتُقدَّس كرموز، بينما يتحول حولها قطيع الأغنام من المستفيدين الذين يتبعونها بلا نقاش، ويضمنون مصالحهم ضمن منظومة محكمة من الولاء والطاعة.

الأصنام ليست مجرد رموز فارغة، بل أدوات قوة تُشكِّل السياسات وتوجّه القرارات، والقطيع ليس مجرد جمهور عادي، بل شبكة مستفيدين تضمن استمرارها وتكرّس سلطتها.

في هذا الواقع، تصبح لعبة السياسة ليست صراعًا على المبادئ، بل صناعة مصالح وأدوار: فمَن يصنع الأصنام، يصنع أيضًا القطيع الذي يضمن بقاءها.

وهذه الممارسات تكاد تكون شائعة في أغلب الدول، والعربية منها على وجه الخصوص، إذ تتصدر مثل هذه الحالات، لأن المجتمعات العربية يسودها نظام براغماتي يعمل وفق أهواء سياسية بحتة، هدفه إخضاع الشعوب مهما كلف الأمر.

وفي حادثة مشهورة تتعلق بالمناضل الأرجنتيني الكوبي (تشي جيفارا)، تقول القصة إنه بعد القبض عليه في مخبئه الأخير بدولة بوليفيا عام 1967 بوشاية من راعٍ للأغنام، سأل أحدهم ذلك الراعي الفقير: لماذا وشيتَ برجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم؟ فأجاب: "كانت حروبه مع الجنود تروع أغنامي وتزعجها!"

العبرة من هذه القصة باختصار، أن أغلب أفراد المجتمع، على المستوى النفسي، يجتمعون على حب الذات والمصلحة الخاصة.

وفي ما يحدث في دول المنطقة العربية، وخصوصًا في العراق، تتضح المعالم بجلاء: فالحاكم لا يفكر في بلده أو شعبه بقدر ما يفكر في بقائه في المنصب.

وهذا أمر معتاد لدى أغلب من وصلت السلطة إلى أيديهم ولو لفترة قصيرة، إذ يتغلغل هذا الدافع في نفوسهم، وتحيط بهم حاشية لا همّ لها سوى تكريس نفوذهم.

ورغم ما جرى للمجتمع العراقي من أحداث جسام ومصائب عديدة غيّرت الأحوال، يبقى الفرد طامعًا في المكاسب، سواء كانت حقًا مشروعًا أو واجبًا على الحاكم. ومن هنا تتجلى العِبَر: فقد شهدنا تقلبات عديدة في مواقف سياسيين وإعلاميين وتجار وأصحاب نفوذ، تبدلت جلودهم وتغيرت مناهجهم تبعًا لمصالحهم.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، نشهد موجات من التسقيط السياسي بين "أصحاب الكروش" الذين يتصارعون من أجل البقاء وغنيمة المقاعد النيابية "الدسمة"، فيما جمهورهم قد تحوّل إلى قطيع يهرول خلف العصا التي تقوده من سيده.

وهذا ليس بجديد، فمنذ عام 2003 وحتى الآن، أصبح كل شيء مباحًا؛ لا كرامة ولا حس وطني ولا غيرة، بل المهم أن يكون المرء مستفيدًا، سواء كان سياسيًا أو حزبيًا أو مواطنًا عاديًا.

فالأهم هو "من يدفع أكثر" أو "من يمنحني ما أريد"، حتى لو كان ذلك على حساب المهنية أو المكانة. وكم من سياسي قفز من حزب إلى آخر، وكم من متلون صفق لجهة ثم انقلب ليصفق لأخرى.

ولم ندرك حتى الآن أن واجب المسؤول هو أداء مهامه المناطة به، والتي يتقاضى عليها أجرًا، لا أن يجعلها وسيلة لجمع الجاه والعقود والصفقات والسرقات.

فإن أنجز أحدهم عملاً ما، هبّت "الجيوش الإلكترونية" وجمهور الفيس بوك للتطبيل وكأننا أمام إنجاز إعجازي، مع أن ما جرى لا يعدو أن يكون بناء جسر، أو زراعة حديقة، أو إكساء شارع، وهي أمور أنجزتها أمم أخرى قبل مئات السنين. فصرنا نتعامل معها وكأنها منّة يجب أن ندفع ثمنها!

أهذا هو العراق، مهد الحضارات؟ أم أن الوجوه المتسلطة شوّهت ما تبقى لنا من تاريخ وحضارة؟ صراعات، لافتات، دعايات، شاشات تلفاز، خطابات، كتب شكر وتقدير، لقاءات واستعراض للعضلات، كلها لأجل المنصب أو البقاء فيه.

مالكم أيها المسؤولون؟ أين غيركم ممن حكم وولى؟ أين الطغاة والقادة والزعماء؟ لقد رحلوا جميعًا، وسترحلون أنتم أيضًا كما رحلوا. سيأتي يوم ينهض فيه الشعب على هذه الطغمة من السياسيين وجماهيرهم – ذلك القطيع – بانقلاب قاسٍ، عندها سيتحسرون على سقف يأويهم، لكنهم لن يجدوه.

ونصيحة لمن يركض وراء الانتخابات والدعايات المكشوفة: لو لم تترشحوا لكان أفضل لكم، فعملكم لم يكن يومًا حبًا بالمجتمع، بل مطية للحصول على "الصوت الانتخابي".

وكما فعل بعض الوزراء الذين تظاهروا بالعطف على الفقراء ورافقهم المصورون لالتقاط مشاهد "مؤثرة" لكسب ود شريحة من الناس البسطاء، فإن الغاية كانت واضحة: الانتخابات وأصوات الناس، لا أكثر.

والله من وراء القصد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي احمد الزبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/01



كتابة تعليق لموضوع : صناعة الأصنام وقطيع الأغنام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net