بمناسبة ذكرى استشهاد الامام الرضا(عليه السلام)
د . حميد حسون المسعودي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد حسون المسعودي

من أصحاب الامام الرضا(عليه السلام)...أبو الصلت الهروي(رضوان الله عليه) ...يروي قصة استشهاد الامام(عليه السلام)
هو عبد السلام بن صالح بن أيوب بن ميسرة القرشي (160 هـ ــ 236 هـ أو 232 هـ). سمي بالهروي نسبة إلى مدينة هرات. كان مولى لعبد الرحمن بن سمرة. وقد تنقل بين البلدان طلبا للحديث. وقيل في معنى الصلت الأملس أو الجبين الواضح. ويقال رجل صلت الوجه والخد والجبين: أي أملسها.
كان مولده في المدينة ثم جاء إلى خراسان في عهد المأمون العباسي فاستقر به المقام عند الامام الرضا(عليه السلام)، وبقي عند الامام ملازما له وخادما. يُعدُّ أبو الصلت أحد رواة أحاديث الإمام، ومنها: حديث السلسلة، كما وردت له في كتب العامّة روايات. وهو الذي روى حادثة وفاة الإمام مسموماً على يد المأمون.
وبعد وفاة الإمام الرضا(عليه السلام)، تخفّى عن أنظار العباسيين حتى سنة 232 هـ أو 236 هجرية حين وافاه الأجل، وكان ذلك في توابع طوس بمدينة مشهد حيث دفن فيها. وله اليوم فيها مزار.
وصفَهُ أصحاب الرجال بأنه أديب وفقيه وعالم، وأنَّ له فضلا وجلالة. وكان معروفا بالزهد ومن العُبّاد. ولا يخفى أمر تشيُّعِه لكثرة الأخبار الصريحة الناصعة الصادرة عنه في العيون والأمالي وغيرهما الدالة على تشيعه بل وكونه من خواص الشيعة، ناهيك عن ملازمته للإمام الرضا(عليه السلام). ثم أنه كان مجاهرا بعقيدته.
مناظراته:
كان أبو الصلت يردُّ على أهل الأهواء من أمثال المرجئة والجهمية والزنادقة والقدرية وغيرهم. وكان الظفرُ حليفَه خلال مناظراته لهم.
ومن تلك المناظرات: مناظراته مع المرجئة ومع المجبّرة ومع الجهميّة ومناظراته في خلق القرآن وفي تقدير أفعال العباد وروايته لأحاديث معنى الإيمان ومناظراته في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم.
ومن الموضوعات التي تناولها وتكلم بها روايته لفضائل النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) بصورة عامة ورواياته في إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وروايته لفضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) على نحو خاص روايته لفضائل فاطمة الزهراء (عليها السلام) وروايته لفضائل أبي محمد الحسن المجتبى(عليه السلام) وروايته لما جرى على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) في كربلاء وروايته لفضائل الامام جعفر(عليه السلام) وروايته لفضائل الامام الكاظم(عليه السلام) وروايته لفضائل أبي الحسن الرضا(عليه السلام) وروايته لفضائل الامام الجواد(عليه السلام) وروايته لقيام القائم (عجل الله فرجه الشريف) وما يقوم به.
وفاته(رضوان الله عليه):
كانت وفاة أبي الصلت (رضوان الله عليه) في خراسان أيام حكومة طاهر بن عبد الله سنة 236 هـجرية، يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شوال وقيل يوم السابع عشر منه، وقيل يوم السابع منه، وقيل: توفي سنة ماءتين واثنين وثلاثين.
مرقده ومزاره:
يقع مرقده الشريف على مقربة عشرة كيلومترات أو أربعة عشر كيلومترا جنوب شرق مدينة مشهد المقدسة.
رواية ابي الصلت الهروي لشهادة الامام الرضا(عليه السلام):
قال ابو الصلت: بينما كنت واقفا بين يدي الامام أبي الحسن(عليه السلام)، إذ قال لي: يا أبا الصلت ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون فآتني بترابٍ من أربعة جوانبها.
قال: فمضيت فأتيته به.
فلمّا مثلتُ بين يديه، قال لي: ناولني من هذا التراب، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به.
ثم قال: سيُحفر لي هاهنا قبر وتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعُها.
وقال أيضا: عندما يحفر لي في هذا الموضع، أمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي الى أسفل وان يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا، فأمرهم ان يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً، فإن الله (عز وجل) سيوسعه لي ما شاء. فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة. فتكلمْ بالكلام الذي أعلمُك، فإنه ينبع الماء حتى يمتلئَ اللحد وترى فيه حيتاناً صغاراً فتفتتُ لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه. فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء، ثم تغيب. فإذا غابت فضع يدك على الماء وتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب ولا يبقى منه شيء. ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.
ثم قال الامام (عليه السلام): يا أبا الصلت غداً أدخل الى هذا الفاجر، فإن خرجت وانا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك. وان خرجت وانا مغطى الرأس فلا تكلّمني.
قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد، لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر. فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون.
قال الغلام: أجب أمير المؤمنين. فلبس نعله ورداءه ومشى فتبعته حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عنب وأطباق فاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه.
فلما رأى المأمون الامام (عليه السلام)،قام إليه وعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه. ثم ناوله العنقود وقال: يا ابن رسول الله هل رأيتَ عنباً أحسن من هذا؟
فقال الإمام: ربما كان عنباً من الجنة.
فقال له المأمون: كل منه.
فقال له الإمام: او تعفيني منه؟
فقال: لا بد من ذلك. ما يمنعك منه؟ لعلك تتهمنا بشيء!
فتناول العنقود فأكل منه. ثم ناوله للإمام فأكل منه ثلاث حباّت ثم رمى به وقام.
فقال له المأمون: الى أين؟
قال: الى حيث وجهتَني. وخرج (عليه السلام) مغطى الرأس. فلم اكلمه حتى دخل الدار ثم آمر ان يغلق الباب، فغُلق. ثم نام على فراشه.
فمكثتُ واقفاً في صحن الدار، مهموماً محزوناً. فبينما أنا كذلك، إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه، أشبه بالرضا (عليه السلام). فبادرتُ إليه وقلت له: من أين دخلتَ والباب مغلق؟
فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق.
فقلت له: ومَن أنت؟
فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت. أنا محمد بن عليّ.
ثم مضى نحو أبيه (عليه السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه. فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) قام إليه وعانقه وضمّه الى صدره وقبّل ما بين عينيه ثم انسحب سحباً الى فراشه. وأكبّ عليه الامام محمد الجواد(عليه السلام) يقبله ويسارُّه بشيء لم أفهمه. ورأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبداً أشد بياضاً من الثلج. ورأيت الامام الجواد يلحسه بلسانه. ثم أدخل يده بين ثوبه وصدره. فأستخرج منها شيئاً فأبتلعه الامام الجواد. ومضى الامام الرضا (عليه السلام).
ثم قال الامام الجواد(عليه السلام): قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة.
فقلت ما في الخزانة مغتسل ولا ماء.
فقال الامام: ائتمر بما آمرك به. فدخلتُ الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته. وشمرت ثيابي لأغسله معه.
فقال لي: تنحَّ جانباً يا أبا الصلت. فإنَّ معي من يعينني غيرك. فغسّله. ثم قال لي: أدخل الخزانة فأخرج لي السفط الذي فيه كفنُه وحنوطُه. فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة من قبل فحملته اليه فكفَّنه وصلى عليه.
ثم قال ائتني بالتابوت.
فقلت أمضي الى النجار حتى يصنع تابوتاً؟
قال الامام: قم فإن في الخزانة تابوتاً.
فدخلت الخزانة فإذا بتابوت لم أره قط، فأتيته به.
فأخذ الامام الجواد جسد الامام الرضا (عليه السلام) بعد أن صلى عليه فوضعه في التابوت. وصفَّ قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منها حتى علا التابوت وانشقَّ السقف، فخرج منه التابوت ومضى.
فقلت: يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون فيطالبني بالإمام(عليه السلام)، فما اصنع؟
فقال: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت. ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيّه بالمغرب، إلا جمع الله (عز وجل) بين روحيهما وجسديهما.
فما اكتمل الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت.
فقام الامام الجواد (عليه السلام) فأستخرج جسد الامام الرضا من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يُغسل ولم يُكفَّن.
وقال: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون، ففتحتُ الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب.
دخل المأمون باكياً مصطنعا الحزن، شاقا جيبَه، لاطما رأسَه وهو يقول: يا سيداه فُجعتُ بك يا سيدي!
ثم دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه. ثم أمر بحفر القبر. فحضّرتُ الموضع، وظهر كل شيء على ما وصفه الامام الرضا (عليه السلام).
فلما رأى المأمون ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته.
فقال له وزيره: أتدري ما أخبرك به الرضا؟
قال: لا.
قال: إنه أخبرك إنّ ملكَكم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلّط الله (تبارك وتعالى) عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم.
قال له المأمون: صدقت.
المأمون يأمر بحبس ابي الصلت:
ثم قال لي المأمون: يا أبا الصلت علّمني الكلام الذي تكلمت به.
قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي. فأمر بحبسي. فحُبستُ سنة وضاق عليّ الحبس. فسهرتُ الليل ودعوت الله (عز وجل) بدعاء ذكرتُ فيه محمداً وآل محمد(صلوات الله عليهم)، وسألت الله بحقهم ان يفرّج عنّي. فلم أستتم الدعاء حتى دخل عليَّ الامام الجواد(عليه السلام)، فقال لي: يا أبا الصلت ضاق صدرك؟
فقلت: إي والله.
قال: قم فأخرج.
ثم ضرب يديه على القيود التي كانت عليّ ففكَّها وأخذ بيدي واخرجني من الدار والحرس والغلمان يرونني. فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجتُ من باب الدار.
ثم قال الامام الجواد(عليه السلام): امض في ودائع الله، فإنك لن تصلَ إليه ولا يصلُ إليك أبداً.
قال أبو الصلت: فلم ألتقِ بالمأمون الى هذا الوقت.
المصادر:
- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي.
- أعيان الشيعة للسيد الأمين.
- ويكيشيعة.
- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للشيخ الصدوق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat