من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) جابر بن حيان (رضوان الله عليه) رائد علم الكيمياء
د . حميد حسون المسعودي
د . حميد حسون المسعودي
- هو أبو موسى جابر بن حيان الأزدي الكوفي، إمام علماء الكيمياء في العالم، من أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، ومن كبار أتباعهم. عاش في القرن الثاني الهجري. كان زاهدا وواعظا، وله كتب في المواعظ والزهد.
- أشتُهر جابر بمجموعة من المؤلّفات المهمة في المجالات المختلفة الأخرى كالطب والفيزياء وغيرهما. ويُعدُّ في مقدمة العلماء الذين أجروا تجاربهم على أساس علمي.
- وهو صاحب النظريات العلمية المشهورة في الكيمياء التي ما زالت تدرَس في عصرنا عصر الذرة والأقمار. ولد سنة 100 للهجرة يتيما، فكفله أحد قراباته. ثم التحق بالإمام جعفر الصادق(عليه السلام) فأصبح من أشهر أصحابه. وكان يعترف بأن ما كان لديه من العلم إنما هو من إمامه الصادق(عليه السلام). فكان يكرِّر عباراته المشهورة (هذا ما حدثني به مولاي وسيدي جعفر) و(هذا ما قاله سيدي) وغيرهما. وكان المستشرقون يحتارون في عبارة يقرأونها في كتبه: (هذا ما علمني إياه العبد الصالح) إشارة للإمام(عليه السلام). وقد ذكر جابر في كتابه(الرحمة) الامام جعفر الصادق(عليه السلام) أكثر من مرة، فكان يقول (سيدي جعفر). وذكر في كتابه (المقابلة والمماثلة) عبارة (سيدي جعفر بن محمد عليه السلام).
- مؤلفاته:
- كتب جابر بن حيان في مواضيع شتى. فقد أّلّف في اللغة والبيان والسموم والأدوية وصناعة الاكسير والطلسمات وصناعة الذهب. ذاع صيتُهُ في أوربا خلال القرن الثالث عشر عندما نُقلت الكتب العربية والاسلامية إلى اللغة اللاتينية. لكنَّ بعض المستشرقين عدّوه اسطورة بسبب كثرة تآليفه، فأنكروا وجوده. بيد أن بعظهم حقَّق بعض مخطوطاته. وفي مقدمة أولئك المستشرقين المحققين الاستاذ روسكا وتلميذه بول كراوس. وبلغ عدد مؤلفات جابر انذاك أكثر من خمسمائة. لكن المؤرخين العرب والمستشرقين يؤكدون أن عددها 112 كتابا.
- ما قاله الكيميائيون العرب والمسلمون عن جابر:
- كان عز الدين الجلدكي صاحب كتاب (البرهان في أسرار علم الميزان) ينعته بـ(الأستاذ الكبير جابر. وكان علي جلبي الأزنيقي في كتابه(درر الأنوار في أسرار الأحجار)يدعوه بـ(الإمام جابر). وقال عنه علي بن يوسف القفطي في (تاريخ الحكماء(: "جابر بن حيان الصوفي الكوفي كان متقدما في العلوم الطبيعية بارعا منها في صناعة الكيمياء، وله فيها تواليف كثيرة ومصنفات مشهورة."
وقال عنه إسماعيل مظهر في كتابه (تاريخ الفكر العربي): "لعل جابر بن حيان اشهر من يذكره تاريخ العلم في العصر العربي من العلماء، فإن اسمه يقترن من حيث الشهرة ومن حيث الأثر النافع بأسماء العظماء من رواد الحضارة والعمران". وكان أبو بكر الرازي يقول عن جابر (أستاذنا) كما ورد في فهرست ابن النديم.
- كان جابر عالما بكثير من العلوم، إضافة إلى الكيمياء التي برع فيها. فمازالت كتبُه موجودة في مكتبات الغرب ومتاحفه. وقد حاز جابر على إعجاب الكيميائيين في عصر العلم الحديث. وما زال العلماء الغربيون يضعون نظرياته في الكيمياء موضع النقاش والجدل، مثل إمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن أخرى. وقد تحقق ذلك بعد أن تمكَّن العلماء من تفليق الذرة.
- من بحوثه في الكيمياء: اكتساب لهب مركبات النحاس اللون الأزرق، وطرق تحضير الفولاذ وتنقية المعادن وصبغ الجلود والشَّعر، وتوصله إلى تحضير مداد مضيء من كبريتيد الحديد وكبريتيد النحاس بدل الذهب لكتابة المخطوطات الثمينة، واستحضار طلاء خاص يقي الثياب من البلل ويمنع الحديد من الصدأ، وتوصله إلى أن الشَّبّ يساعد على تثبيت الألوان، وصنع ورق غير قابل للاحتراق دعاه إلى صنعه الامام الصادق (عليه السلام).
- وكان جابر أول من صنع حمض الكبريت(زيت الزاج) وحمض الآزوت(ماء الفضة). كما استحضر ثاني أوكسيد المنغنيز لصناعة الزجاج، وكربونات الصوديوم والبوتاسيوم لصناعة الأدوية. وصنع أملاح الزئبق ونترات الفضة(حجر جهنم) والماء الملكي ونترات البوتاسيوم (البارود). كما أنه تعرّف على آيون الفضة النشاذري المعقد، إذ ذكر ذلك في كتابه(كتاب الخواص الكبير). وثمة أدلة تشير إلى معرفة جابر للميزان المضبوط، خاصة في صنع العملة الذهبية بصورة دقيقة.
- ذكر بعض المهتمين بجابر أنه ألف 123 كتابا. يوجد بعضها بصورة نسخ خطية في المتحف البريطاني بلندن والمكتبة الأهلية في باريس ودار الكتب المصرية في القاهرة ومكتبة ليون والهند ومكتبة برلين ومكتبة بودلي وجامعة كيمبردج ومكتبة جامعة تربينتي في أوكسفورد في بريطانيا. بعضها مكتوب بلغته الأصلية والآخر مترجَم إلى اللاتينية أو الانكليزية.
- وبوصفه أول من أدخل التجارب العلمية والمختبرية والعمليات الكيمياوية، فقد أصبح في مقدمة علماء الكيمياء العرب والمسلمين الذين نقلوا علم الكيمياء من مجال الآراء الفلسفية المجردة إلى مجال العلم المحض.
- أقوال علماء الغرب فيه:
- اشتهر جابر عند الغربيين باسم Geber وباللاتينية Geberus . قال عنه المستشرق البريطاني هولميارد الذي ترجم كتاب (العلم المكتسب في زراعة الذهب) لأبي القاسم العراقي إنه تلميذ جعفر الصادق وصديقه. فقد وجد في "إمامه الفذ سندا ومعينا، وراشدا وأمينا، وموجّها لا يستغني عنه." وبتوجيه أستاذه الصادق (عليه السلام) سعى إلى تحرير الكيمياء من الأساطير، فنجح في ذلك إلى حد بعيد. وقال عنه سارتون في كتابه(مقدمة في تاريخ العلم): يبدو "أن لجابر بن حيان خبرة تجريبية جيدة في عدد من الحقائق الكيمياوية". وذكرت الموسوعة الدولية أن كتب جابر كانت ذات تأثير واسع النطاق، وهي من أوائل المؤلفات التي تدور حول المعادن التي نقلت إلى أوربا، مثل تحضير المعادن من عنصري الزئبق والكبريت مع وصفٍ مستفيضٍ لتحضير الحوامض المعدنية.
- وقال عنه العالم الكيمياوي الفرنسي برتلو: "لجابر في الكيمياء ما لأرسطو قبله في المنطق، فهو أول من استخرج حامض الكبريتيك من الزاج الأزرق ودعاه بزيت الزاج، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من اكتشف حامضي النتريك والهيدروكلوريك وعمل من مزيجهما ماء الذهب(الماء الملكي). وتنسب إليه تحضيرات مركبات أخرى مثل كاربونات البوتاسيوم وكاربونات الصوديوم. وقد درس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها."
- يقول جابر في إطار نظريته الرئيسية إن هناك سبعة معادن رئيسية في الطبيعة: الرصاص والقصدير والحديد والذهب والنحاس والزئبق والفضة، وهي الأحجار السبعة. ومفاد نظريته أن لتلك المعادن أساسا واحدا يتكوَّن من الزئبق والكبريت. وعند اختلاف نسبة ذلك الخليط تختلف المعادن. ولذا يمكن تحويل معدن إلى آخر بإضافة شيء من الكبريت. وهذا ما كان معروفا بعلم الصنعة.
- لكنه يشترط وجود مادة وسيطة لكي يتحقق تحويل المادة الخسيسة إلى ذهب، مثلا، وهي (الاكسير). وهي مادة تشبه الوسيط الكيميائي catalyst.
- ويُعدُّ علم الصنعة أصلا من تراث الامام علي (عليه السلام) الذي أوجزه في بيتين:
- خذ الفرار والطلــــــقا وششيئا يشــــبه البرقا
- فإن أحسنت مزجهما ملكت الغرب والشرقا
- الفرار= الزئبق الطلق= النشادر والذي يشبه البرق= الكبريت الأحمر(أو الاكسير)
-
- ويذكر التاريخ أن جابر بن حيان كان يبني مختبراته تحت الأرض بعيدا عن عيون السلطة التي كانت تطارده ،وذلك لصلته بالإمام الصادق(عليه السلام). حتى أنه لم يكن يسمح لزوجته بالدخول إلى مختبره، فكانت تضع له الطعام في فتحة معينة فيلتقطه. وكان مساعده(حسان) يمثل صلةَ الوصل بينه وبين العالم الخارجي. ولم يخرج إلا حين علم بأن الامام الصادق(عليه السلام) كان يُحتضر، وانه يدعوه إليه. فلبى نداء سيده فأسدى له الامام نصائح مهمة مثل التزام التواضع، وألا يعزو اكتشافاته إلى نفسه، بل يعزوها إلى الله تعالى، وأن يبدأ عمله بصلاة ركعات قبل مزاولته.
- وفاته(رضوان الله عليه):
- هنالك اختلاف في سنة وفاته(رضوان الله عليه): فهي إما سنة 198 أو سنة 200 للهجرة الشريفة.
تثار أحيانا مسألة تلمذة جابر بن حيان (رضوان الله عليه) مباشرة على خالد بن يزيد بن معاوية. وهو، كما يقول السيد الأمين في أعيان الشيعة الجزء الرابع صفحة 36، أمر "لم يقم عليه برهان ولم يؤيده تاريخ ولا أشار إليه أحد من المؤرخين." فجابر ولد في خراسان وهو عراقي المنشأ، كوفي المسكن، علوي النزعة، وخالد بن يزيد شامي المولد، أموي النسب والنزعة. ناهيك عن أن الفارق الزمني بين وفاة خالد وولادة جابر يمتد إلى 17 عاما. فكيف كانت التلمذة مباشرة؟
- المصادر:
- سرور، السيد ابراهيم، 2010 الاعجاز العلمي عند الامام الصادق عليه السلام جوهرة الشيعة الامامية. بيروت: شركة الأعلمي للمطبوعات.
- الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة الجزء الرابع......
- الطائي، د. فاضل أحمد 1981 أعلام العرب في الكيمياء. بغداد: دار الرشيد للنشر.
-
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat