اليد الغيبية في زيارة الأربعين
وليد الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وليد الطائي

من يقف على طريق كربلاء في أيام الأربعين، يظن للوهلة الأولى أنه أمام مشهد خارج حدود الواقع. ملايين الزائرين يتدفقون من كل صوب، رجال ونساء، صغار وكبار، عرب وعجم، شيعة وسنة ومسيحيون، حتى من لا ينطقون العربية ولا يعرفون إلا اسم "الحسين". يمشون بخطى ثابتة، وكأن قلوبهم مرتبطة بحبل واحد يشدّهم نحو الضريح الطاهر.
لا قوات أمن مركزية تتحكم بكل التفاصيل، ولا مؤسسة ضخمة تنفق مليارات لتنظيم كل هذا، ومع ذلك، تجد الانسيابية في المسير، والوفرة في الطعام والشراب، والمواكب موزعة كأنها خرائط مدروسة بدقة. من يطعم هؤلاء؟ من يسقيهم؟ من يؤمن لهم الحماية في وسط بلد يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية؟
هنا، ندرك أن هناك يدًا غيبية تحرس هذا الطريق. يد لا يراها إلا المؤمنون، لكنها واضحة لكل من يملك قلبًا سليمًا. هي يد الله التي امتدت لحفظ نهضة الحسين عبر القرون، وهي ذاتها التي تجعل الملايين يتركون أعمالهم وبيوتهم، وينفقون مما يملكون، فقط لينالوا شرف خدمة الزائرين أو السير معهم.
في الأربعين، ترى الفقير يضع آخر ما في بيته على مائدة الزائرين، وترى الغني يخلع خاتمه ويضعه في يد محتاج، وترى الطفل يسقي الشيخ الكبير، وترى المرأة تطبخ وهي تبتسم رغم التعب. هذه ليست مجرد كرامة ضيافة، بل هي إحياء عملي لمدرسة الحسين التي كسرت الحواجز بين الناس، وأذابت الطبقات الاجتماعية، وألغت العصبيات الطائفية.
لكن وسط هذا المشهد العاطفي الجارف، هناك رسالة سياسية عميقة. فكل خطوة نحو كربلاء، هي إعلان بأن أتباع الحسين لا يرضخون لظلم، ولا يخافون من تهديد، ولا ينكسرون أمام حصار أو إرهاب. وكل راية سوداء ترفرف فوق موكب، هي صفعة لكل مشروع يريد إذلال هذه الأمة أو تمزيقها.
الأربعين ليست فقط ذكرى ماضية، بل هي حدث سياسي حاضر، يغيظ أعداء الداخل والخارج. فهم يدركون أن هذا الجمع المليوني هو أقوى استفتاء شعبي على بقاء خط الحسين، وأكبر استفتاء على رفض الهيمنة والاستسلام. ولهذا، كل سنة نسمع عن محاولات تشويه الزيارة أو التقليل من شأنها أو استهدافها، لكنهم يكتشفون أن هذه اليد الغيبية تحبط مؤامراتهم، وأن طريق كربلاء أقوى من كل مشاريعهم.
إن زيارة الأربعين معجزة حيّة، تجتمع فيها القلوب قبل الأقدام، وتحرسها العناية الإلهية قبل الحمايات الأمنية، وتعلن للعالم أن دم الحسين ما زال ينتصر، وأن يد الله ممدودة لحماية زواره وخطه الرسالي مهما اشتدت المؤامرات، ومهما تحركت الأيادي الخفية المعادية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat