الوطن لن يُبنى بالمناكفات
وليد الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وليد الطائي

الاعتراضات الأخيرة على قائمة السفراء تكشف لنا ـ وبوضوح ـ عمق الأزمة التي تعيشها الساحة السياسية في العراق، أزمة تتلخص في تحويل كل قضية وطنية إلى مادة للمزايدات والصراعات الضيقة. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن هذه الاعتراضات لا تخلو من أمرين اثنين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: هو الدعاية الانتخابية الاستعراضية الفارغة.
هناك من وجد في ملف السفراء فرصة ذهبية للظهور أمام الجمهور بمظهر “المدافع عن حقوق الشعب”، بينما الحقيقة أنهم يلهثون خلف الأضواء استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. هؤلاء يرفعون شعارات الوطنية والنزاهة، لكنهم في الوقت ذاته يتجاهلون أن العراق بحاجة إلى صوت مسؤول وهادئ يُحافظ على هيبة الدولة ومؤسساتها بدلًا من التشويش عليها.
الأمر الثاني: هو الحرمان من الحصص والمكاسب.
البعض ممن اعترض اليوم كانوا جزءًا من مشاورات وترتيبات توزيع المناصب، لكنهم حين وجدوا أنفسهم خارج التمثيل الدبلوماسي تحوّلوا إلى معارضين أشداء، يلوّحون بالتصعيد ويختبئون خلف شعارات الإصلاح. هذه الازدواجية في المواقف لم تعد تنطلي على الشارع العراقي الذي صار يميّز بوضوح بين المخلصين الذين ينتقدون لبناء الدولة، وبين الطامعين الذين ينتقدون لخدمة مصالحهم الضيقة.
إن الدبلوماسية العراقية ليست مجالًا لتصفية الحسابات السياسية ولا مادة لتلميع صور متضررة انتخابيًا، بل هي واجهة سيادية تمثل العراق في المحافل الدولية، وتحتاج إلى رجال دولة يفكرون بعقلية وطنية لا بعقلية الغنائم والمحاصصة.
لقد آن الأوان لأن ندرك جميعًا أن بناء العراق خارجيًا لا يقل أهمية عن بنائه داخليًا، وأن تعزيز حضورنا الدبلوماسي يحتاج إلى عقول خبيرة وكفاءات حقيقية، بعيدًا عن الضوضاء الإعلامية والتجاذبات الحزبية.
نعم، من حق أي جهة أو شخصية أن تُبدي رأيها وتطرح ملاحظاتها، لكن هذا الحق يجب أن يكون بنّاءً ومسؤولًا، لا أن يتحوّل إلى أداة ابتزاز سياسي أو وسيلة دعائية رخيصة. العراق اليوم بحاجة إلى صوت عاقل وقوي يضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، ويعمل على إصلاح ما هو معطوب بدلًا من هدم ما هو قائم.
إن رسالتي ـ وأنا أكتب هذا المقال ـ هي أن نحافظ على ما تبقى من رصانة الخطاب الوطني، وأن نضع مصلحة العراق أولًا وأخيرًا. فالوطن لن يُبنى بالمناكفات، بل بالإخلاص والعمل الجاد والتجرد من المصالح الشخصية. ومن لا يستطيع أن يسمو بخطابه فوق مصالحه، فلا يزايد علينا باسم الوطنية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat