زيارة الأربعين قوة الإسلام في أعظم صورها
وليد الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وليد الطائي

لم تكن كلمات سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي حين وصف زيارة الأربعين بأنها قوة الإسلام مجرد خطاب ديني أو توصيف عاطفي، بل كانت قراءة استراتيجية عميقة لمشهد كوني يتكرر سنويًا في أرض كربلاء المقدسة. ففي هذه الزيارة، لا يجتمع الناس لأداء شعيرة فحسب، بل تتجلى أمام العالم أعظم قوة إيمانية، شعبية، وسياسية عرفها التاريخ الإسلامي الحديث.
سر هذه القوة حينما يسير الملايين على الأقدام، رجالاً ونساءً وأطفالاً، من أقصى جنوب العراق إلى كربلاء، ومن إيران والبحرين ولبنان وباكستان وحتى من أقاصي الأرض، فإن هذا الزحف البشري يعكس إرادة لا تُقهر، ويُعلن بوضوح أن الحسين عليه السلام ما زال حياً في ضمائر الأمة.
هذه الملايين التي لا يدفعها إعلان ولا تُغريها مصلحة دنيوية، إنما يجمعها الولاء والوعي والانتماء إلى خط المقاومة، تمثل في حقيقتها أقوى رد عملي على دعايات الاستكبار العالمي الذي يريد إضعاف الإسلام وتفكيك الأمة.
الأربعين ليست مجرد ذكرى لشهيد عظيم، بل هي مدرسة أبدية تُعيد للأمة وعيها كل عام. فهي تعلمها أن الحرية لا تُشترى، وأن الكرامة لا تُمنح، وأن الدم الحسيني سيبقى هو الوقود لكل ثورة على الظلم والطغيان.
ولذلك لم يكن غريبًا أن يصفها السيد القائد بأنها قوة الإسلام، لأنها تجمع بين العقيدة والوعي، بين الروحانية والسياسة، بين البكاء على المظلومية والإصرار على صناعة المستقبل.
مشهد الأربعين يُذهل العالم: ملايين يسيرون في مسيرات منظمة، تُقدم لهم الخدمات بلا مقابل، يُطعمهم الناس، يداويهم المتطوعون، ينامون في بيوت مفتوحة بلا سؤال عن قومية أو مذهب أو دين. هذا السلوك الإنساني النادر هو بحد ذاته رسالة بأن الإسلام الأصيل الذي حمله الحسين وأكد عليه أهل بيته، هو دين الإنسانية، دين المحبة، دين العدالة.
وهنا يتجلى الفارق الكبير: الغرب يمتلك قوة المال والسلاح، لكن الأمة تمتلك قوة الروح والإيمان، وما دامت هذه الروح متقدة فلن تستطيع أي قوة في الأرض أن تُطفئ نورها.
قوة لا تُقاس بالعدد والسلاح
الأربعين قوة لا تُشبه أي قوة أخرى. ليست قوة عسكرية ولا سياسية بالمعنى التقليدي، لكنها أعمق وأخطر على أعداء الأمة. فهي تُشكل خزاناً بشرياً وروحياً يرفد المقاومة الإسلامية بطاقة لا تنفد.
هذه الحشود المليونية هي رسالة واضحة: إننا أمة لا تموت، وإن مشروع الحسين باقٍ، وإن كربلاء ليست مجرد مدينة عراقية، بل هي قلب نابض للأمة كلها، من خلالها يتوحد الشيعة والسنة، العرب والعجم، المسلم وغير المسلم، تحت راية الحق.
إن زيارة الأربعين بهذا الزخم وبهذا الحضور العالمي هي الوجه الحقيقي لقوة الإسلام، القوة التي تستمد جذورها من الدماء الطاهرة التي سالت في كربلاء، ومن العزم الذي لا يلين لأتباع مدرسة الحسين.
ولهذا حين يتحدث الإمام الخامنئي عن هذه الزيارة كقوة، فهو يُدرك أن سرّ انتصار الإسلام على الاستكبار العالمي، وسرّ بقاء المقاومة حيّة متجددة، يكمن هنا، في هذا الزحف الذي لا يعرف الخوف ولا الانكسار.
الأربعين إذن ليست حدثاً عابراً، بل هي بداية لعصر جديد، عصر تنهض فيه الأمة من جديد، وتقول للعالم إننا أقوى مما تظنون، وإننا مع الحسين ماضون حتى يتحقق وعد الله بنصرة المستضعفين واندحار الطغاة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat