نهضة الإمام الحسين وبناء الوعي الشبابي: رؤية معاصرة
طارق الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق الغانمي

في خضم التحديات المتزايدة التي يواجهها الشباب اليوم، من تشتت فكري وانحراف عقائدي وتأثيرات سلبية للعولمة، تبرز نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كمنارة هدى ومنهج حياة، ليس فقط للأجيال السابقة، بل للشباب المعاصر على وجه الخصوص؛ لكون هذه النهضة، بما تحمله من قيم ومبادئ خالدة، قادرة على بناء وعي شبابي راسخ، يقاوم التحديات والمعوقات وتسهم في بناء مستقبل أفضل.
لم تكن كربلاء مجرد حدث تاريخي عابر، بل هي حركة إصلاحية شاملة جسدت أسمى معاني التضحية، والشجاعة، والوفاء، والايثار، ورفض الجور والظلم، وغيرها الكثير..
وما يحتاجه الشباب اليوم لتشكيل الوعي التكاملي هو الشجاعة في قول الحق، وقد يعلمنا الإمام الحسين (ع) أن لا نخاف في إعلاء كلمة الحق، حتى لو كنا قلة، وأن نقف في وجه الظلم والطغيان مهما كانت التحديات، فهذه الشجاعة ضرورة للشباب ليعبروا عن آرائهم ويعملوا من أجل العدالة الاجتماعية.
كذلك التضحية من أجل المبادئ والقيم والثوابت، فالإمام الحسين (ع) قدم كل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الإسلام ومبادئه السامية، وهذه الروح التضحوية تلهم الشباب ليكونوا مستعدين للبذل والعطاء لأجل قضاياهم النبيلة، سواء كانت إنسانية، اجتماعية، أو بيئية.
وألان نأتي على رفض الذل والهوان وعدم الخضوع إلى الباطل، فقد كانت "هيهات منا الذلة" صرخة الإمام الحسين (ع) المدوية التي تردد صداها عبر الأجيال والقرون، هذه المقولة تزرع في نفوس الشباب؛ الكرامة والعزة، وترفض أي شكل من أشكال الاستسلام أو الرضوخ للباطل، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي.
ومن الأهداف الأخرى هو الوعي بالمسؤولية، إذ أدرك الإمام الحسين (ع) مسؤوليته تجاه قضايا الأمة، وقام بنهضته المباركة لإصلاح انحراف مسارها، وهذا الوعي بالمسؤولية يحفز الشباب على عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام المشكلات والمعوقات، بل المشاركة الفاعلة في إيجاد الحلول واتخاذ القرارات المستنيرة في بناء مجتمعاتهم.
إن تطبيق مبادئ النهضة الحسينية في سياق الوعي الشبابي يتطلب مقاربة حديثة تراعي خصوصية العصر في تحليل الواقع المعقد، إذ لا يزال الظلم والفساد منتشرين في أشكال مختلفة، لكنهما أصبحا أكثر تعقيدًا وتخفيًا، ويجب على الشباب المستلهم من نهضة الإمام الحسين (ع) أن يمتلك الأدوات الفكرية لتحليل هذه الظواهر وفهم جذورها وحل شيفراتها، وبناء سيناريوهات أكثر وعياً وإلماماً لإنقاذ المجتمع من المحتويات الهابطة بدلاً من الاكتفاء بردود الفعل السطحية التي لا تجدي نفعاً وأهمية، وخاصة باستخدام أدوات العصر لنشر الحق، في استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تمكن الشباب بأن يكونوا فاعلين في نشر قيم الحق والعدالة، ومكافحة المعلومات المضللة، وتعزيز الحوار البناء، وتعزيز سلوك المواطنة، مستلهمين بذلك قيم ومبادئ الإمام الحسين (ع) في تعزيز الوعي والمعرفة بين الناس.
لم يكن الإمام الحسين (ع) وحده في نهضته التاريخية، بل كان معه كوكبة من الأصحاب المخلصين، وهذا ما يؤكد على أهمية العمل الجماعي المنظم والتكافل بين الشباب لتحقيق الأهداف المشتركة، وبناء الهوية الأصيلة، وخاصة نحن نعيش اليوم في زمن يحاول طمس الهويات وتنميط الثقافات، وهذه الظاهرة تعني أن الثقافات المحلية والأخلاقية بدأت تتعرض للتهديد بالاندثار أو الذوبان في قالب ثقافي عالمي موحد، غالبًا ما يكون مدفوعًا بقوى اقتصادية وإعلامية كبرى.
وقد تساعد هذه النهضة المباركة الشباب على ترسيخ هويتهم الأصيلة المبنية على القيم الإسلامية والإنسانية النبيلة، مما يمنحهم شعورًا بالانتماء والقوة، ومقاومة هذا التحدي والذي لا يعني الانغلاق أو رفض التفاعل مع العالم، بل هو عملية واعية للحفاظ على الخصوصية الثقافية مع الاستفادة من إيجابيات هذا المضمار.
استخلص؛ إن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ليست مجرد ذكرى سنوية نحتفل بها، بل هي مدرسة فكرية وأخلاقية متكاملة يمكن للشباب أن يستقوا منها زادهم المعرفي والروحي، فعندما يتسلح الشباب بوعي مستلهم من كربلاء، يكونون قادرين على قيادة التغيير الإيجابي، وبناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافًا، وتحقيق تطلعاتهم نحو مستقبل مشرق، مستندين إلى إرث عظيم من التضحية والفداء.
فهل نحن مستعدون كشباب، وكأفراد ومؤسسات، لاستثمار هذه النهضة العظيمة في بناء جيل واعٍ، قادر على صناعة المستقبل؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat