صناعة الفخاريات الشعبية
محمد الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الموسوي

تعد صناعة الخفاريات من أبرز الموروثات الشعبية التي عرفتها الصناعات اليدوية في العراق. وازدهرت في بلاد وادي الرافدين قديماً نتيجة توفر مادتها الأولية وهي الطين الخالي من الأملاح، لاسيما بعد اختراع دولاب الفخار في موقع تل العبيد قرب محافظة ذي قار جنوب العراق في أواخر العصر الحجري القديم. وعُرفت صناعة الفخار في الدولة البابلية والآشورية، وانتقلت إلى باقي حضارات العالم فيما بعد.. وقد عُثر في مواقع عديدة من العراق على أنواع مختلفة من الفخاريات التي صنعها الإنسانُ بطرق بسيطة لسد احتياجاته المنزلية واستعمالاته المختلفة، ومنذ ذلك التأريخ أبدع الإنسانُ العراقي في صناعة الفخاريات للأغراض المنزلية، وحافظ على هذه الصناعة حتى وقت قريب، وتكاد هذه الصناعة تندثر مع التطورات العلمية الحديثة البديلة.
وفي الوقت الحاضر تضاءل الطلب على شراء هذه الفخاريات رغم تفنن صانعيها بإضافة ألوان زاهية لكسب أكثر عدد من الزبائن، والقسم الأكبر من المحال القديمة التي كانت تعرض وتبيع الفخاريات المختلفة، استبدلتها بسلع وبضائع حديثة تواكب الصناعة العلمية المتطورة؛ لكن بالمقابل ترى بعض الناس مازال يحتفظ بهذه الفخاريات في بيوتهم كجزء من التراث العراقي الأصيل.. ومن هذه الفخاريات التراثية عند العراقيين ما يُعرف بـ(الحب أو الزير، والبستوكة، والشربة، والكوز، والمزهرية، والسندانة، والملاعق الخفارية وغيرها..).
واستخدمها العراقي القديم والحديث خاصة في المناسبات الدينية، وقلة وسائل التبريد للماء، والإنقطاع المستمر للكهرباء في العراق، مما أضطر أكثر العراقيين لإستخدام (الحِب) لشرب الماء الصافي، فهو بدل الثلاجة والبراد في الوقت الحاضر، وخاصة في فصل الصيف اللاهب.. أما في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فقد كانت هذه الصناعة التراثية في العراق أكثر رواجاً، وكثرت في وقتها محال بيع هذه الفخاريات، وكثر تجار الجملة لها وبيعها إلى دول العالم كتحف أثرية أو للإستعمال المنزلي.. أما أحجام الفخاريات فهي مختلفة الأحجام، فمثلا يوجد (حب) لشرب الماء كبير وصغير، وتوضع تحته (البواكة) وهي صغيرة الحجم على شكل إناء فخاري لخزن الماء المتساقط من الحب.
ومن الفخاريات الأخرى (الدورق) ويسمى في العراق شعبياً (التُنگة أو الشرْبة) التي تستخدم لشرب الماء الصافي والبارد، وذلك بوضع هذا الفخار على سطح المنازل في الليل إلى الصباح ليبرد بسبب كثرة المساحات الموجودة في الفخار، وفي نفس الوقت يصفي الماء الموجود فيه فيكون نقياً. ومن الفخاريات الجميلة والملونة بمختلف الأحجام مع استخدامات شتى هي (البستوكة) وتتميز هذه الفخارية على سائر الفخاريات الأخرى بأن النصفَ الأعلى منها مطلي باللون الأزرق أو الأخضر، ويستعمل هذا الفخار في خزن بعص المواد الغذائية بداخلها مثل الدبس والطرشي وغيرها.. ومن الفخاريات الأخرى (الطبل) ويكون مجوّفاً من الجهتين، ويُغطى من إحدى الجهات بجلد حيواني خفيف ليزيد قوة التطبيل عليه، ويستعمل هذا الفخار في المناسبات الدينية والأفراح. والفخار الآخر الذي أهمل بسبب ثقله هي (الجرّة)، واستبدلت فيما بعد بـ(جرة) معدنية أو بلاستيكية لخفة استعمالها.
إن أهم فخار يستعمل في العراق الآن هو فخار (التنور) والتفنن في صناعته، مع قلة صانعيه الآن بسبب كثرة صناعة التنور المعدني (الاستيل) وخفته في التنقل. لكن طعم الخبز وشواء السمك والدجاج في تنور الفخار أطيب وألذ عند العائلة العراقية، وعند الضيوف العرب والأجانب.. وتوجد الآن معامل صغيرة لإنتاج الفخاريات في محافظات العراق، وهذه المنتجات لازالت مطلوبة من قبل العراقيين في الاستعمالات الحياتية أو المنزلية مثل (البستوكة والتنور والشربة)، وفخاريات للزينة مثل السنادين مختلفة الأحجام، وفخاريات مختلفة الإستعمالات مثل الطبل والملاعق والتماثيل وغيرها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat