مظاهرُ التوظيف القرآني في خُطب الإمام علي (ع)
طارق محمد حسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق محمد حسن

إنَّ المتتبع لخطب الإمام علي (ع) في نهج البلاغة بلا شكّ ولا ريب أن تستوقفه هذه الظاهرة مليّاً ـ ظاهرة التوظيف القرآني ـ مّما يصوِّر مدى الأثر الكبير الذي تركه القرآن الكريم في كلامه فضلاً عن سلوكه الخارجي فلا يتصوَّر الإنفكاك منه لقوله (ع): (أنا القرآن الناطق).
وإن استشهاد الإمام (ع) بالآيات القرآنية وتوظيفه لها منطلقٌ من ذلك الأساس الذي ثبّته الرسول الأكرم (ص) في ضرورة العناية بالقرآن الكريم ومن عقيدته (ع) من أنَّ كتاب الله هو المصدر المهم في حياة المسلمين ومستقبل الإسلام، ومن علمه الجم بالقرآن الكريم، حيث كان (ع) يقول: ( سلوني فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آيةٍ إلاّ وأنا أعلم أبليلٍ نزلت أم بنهار أم في سهلٍ أم في جبل).
ويُلاحظ أنّ الاستشهاد بالآيات القرآنية في نهج البلاغة يأخذُ امتداداً طولياً مع السياق العام الذي تهدف إليه الخطبة، بمعنى أنّه يأتي مسانداً للمعنى القرآني، فالآية القرآنية أو المفهوم القرآني في التوظيف الضمني وقوله (ع) متعاضدان، مّما ينتج عن هذا التعاضد كشفٌ للدلالة القرآنية فضلاً عن مجيء النصِّ القرآني لتأييد المضمون والفكرة، وإنَّ هذا التعالق النصِّي والتشابه المعنوي المتعاضد لا يُفقِد النص ناحية الإبداع والجدّية من حيث الرؤية والبناء.
وهذا الأمر سيقف دون أن يحدثَ تلاعبٌ بالنصِّ بيد من يشاء الإدعاء بفهمه، وبتعبيرٍ آخر غلق النص على دلالته.
بل إن الإفاضة التعبيرية والدلالية نابعة من النظام المرجعي الذي يستند إليه مؤلف النصّ العام ومنشؤه فبمقدار التأثُّر بالنظام المرجعي يحصل التعالق النصِّي والتوظيف الدلالي فيه.
ومن خلال ملاحظة المرجعيات الفكرية لدى أمير المؤمنين (ع) والتي تُظهرها نصوص نهج البلاغة نجد إنها تأخذ الآفاق التي كان أبرزها القرآن الكريم من حيث كونه كتاب الله سبحانه وتعالى المنزل ودستور الدولة الإسلامية العالمية ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾85 آل عمران، والذي يتفرع من هذا الأمر هو التفاعل مع الحقيقة الإلهية النابعة من القرآن الكريم لهداية الإنسان وإيصاله إلى كماله وأنّ هذه الهداية لا تتحقّق إلا من خلال مجموعة من المرتكزات العقائدية التي هي بمنزلة الأرضية التي تهيئ في الإنسان الإستعداد على أن يقال له: ينبغي أن تفعل كذا، ولا ينبغي أن تفعل كذا. ومن خلال تتبُّع أصول هذه المرتكزات في نهج البلاغة فإننا سنعثر على بيانها واستعراضها على أتم وجه كما في خطبته (ع) والتي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وإرسال الرسل حتى مبعث نبيّنا محمد (ص)، يقولُ منها: (أوّلُّ الدين معرفتُه، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيد الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غيرُ الموصوف وشهادة كلَّ موصوف أنّه غير الصفة وشهادتها جميعاً بالتثنية الممتنع منها الأزل... إلى أن يقول (ع):( كائنٌ لا عن حدث، موجود لا عن عدم ، مع كلِّ شيء لا بمقارنة وغير كلِّ شيءٍ لا بمزايلة فاعلٌ لا بمعنى الحركات والآلة، بصيرٌ إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحشُ لفقده).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat