صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

الجناس الناقص (ح 1) (مشتبهاً وغير متشابه)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في موقع موضوع عن الجناس: الجناس الجناس مصدر من الفعل (جانَسَ)، (يُجانس)، (مجانَسة)، و(جِناساً)، بمعنى شابهه، واتَّحد معه في النَّسق، أمّا في الاصطلاح اللغويّ، فالجناس هو: فنٌّ من فنون البديع، تكون فيه الألفاظ متشابهة في النُّطق، واللفظ، ومختلفة في المعنى، ممّا يُظهر الجمال والتناغم في التوازُن الصوتيّ في آيات القرآن، كما يُظهر التناسُبَ بين السِّياق القرآنيّ والمقام، وهذا التوازُن الصوتيّ ينتج عن تكرار مُنتظَم للصوت، بسبب تشابه لفظَيه في الشكل، واختلافهما في المعنى -كما ذُكِر في تعريفه-، وتُظهر أثراً واضحاً في أُذن المُستمِع، فتجعله أكثر مقدرة على إطلاق الفِكر في التأمُّل والتدبُّر، وتُحقِّق له اللذّة السماعيّة. أنواع الجناس وهو على نوعَين، جناس تامّ، وهو الذي يتّفق فيه لفظان في أربعة شروط، هي: ترتيب الحروف، وعددها، ونوعها، وهيئتها من حيث الحركات والسَّكنات، ومثال ذلك قول الشاعر: فَدارِهِم ما دُمتَ في دارِهِم وأَرضِهِم ما دُمتَ في أَرضِهِم والجناس غير التامّ، أو ما يُسمّى بالجناس الناقص، وهو: اختلاف لفظَين في أحد الشروط التي لا بُدّ من توفُّرها في الجناس التامّ، مثل: السّاق والمَساق (اختلاف شرط العدد)، والشَّعْر والشِّعْر (اختلاف شرط الشكل)، وبين وبني (اختلاف شرط ترتيب الحروف)، وتَقْهر وتَنْهر (اختلاف شرط نوع الحروف)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الاختلاف إذا وقع في نوع الحروف، فيُشترَط ألّا يقع في أكثر من حرف واحد. والجناس يُعَدُّ جناساً حَسَناً إذا ورد في النصّ بلا تكلُّف، ولا تكرار كبير يُؤثّر في حَقّ المعنى، وسبب استحسان الأذن للجناس حدوثُ تجاوُب في النغمة الموسيقيّة بوجود التماثُل الكامل، أو الناقص بين الكلمات، ولأنّ النفس مُتشوِّقة إلى سماع ما يأتي متوافقاً مع النغمة نفسها، مع اختلاف المعنى.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأنعام 141) لما حكى سبحانه عن المشركين، أنهم جعلوا بعض الأشياء للأوثان، عقب ذلك البيان، بأنه الخالق لجميع الأشياء، فلا يجوز إضافة شيء منها إلى الأوثان، ولا تحليل ذلك، ولا تحريمه، إلا بإذنه، فقال: "وهو الذي أنشأ" أي: خلق وابتدع لا على مثال "جنات" أي: بساتين فيها الأشجار المختلفة "معروشات" مرفوعات بالدعائم، قيل: هو ما عرشه الناس من الكروم ونحوها، عن ابن عباس، والسدي. وقيل: عرشها أن يجعل لها حظائر كالحيطان، عن أبي علي قال: وأصله الرفع، ومنه قوله تعالى "خاوية على عروشها" يعني: على أعاليها، وما ارتفع منها ما لم تندك فتسوى بالأرض. "وغير معروشات" يعني: ما خرج من قبل نفسه في البراري والجبال من أنواع الأشجار، عن ابن عباس. وقيل: معناه غير مرفوعات، بل قائمة على أصولها مستغنية عن التعريش، عن أبي مسلم "والنخل والزرع" أي: وأنشأ النخل والزرع "مختلفا أكله" أي: طعمه. وقيل: ثمره، وقيل: هذا وصف للنخل والزرع جميعا، فخلق سبحانه بعضها مختلف اللون والطعم والرائحة والصورة. وبعضها مختلفا في الصورة، متفقا في الطعم، وبعضها مختلفا في الطعم، متفقا في الصورة وكل ذلك يدل على توحيده وعلى أنه قادر على ما يشاء، عالم بكل شيء. "والزيتون والرمان" أي: وأنشأ الزيتون والرمان "متشابها" في الطعم واللون والصورة "وغير متشابه" فيها، وإنما قرن الزيتون إلى الرمان، لأنهما متشابهان باكتناز الأوراق في أغصانها "كلوا من ثمره إذا أثمر" المراد به الإباحة، وإن كان بلفظ الأمر، قال الجبائي، وجماعة: هذا يدل على جواز الأكل من الثمر وإن كان فيه حق الفقراء.

ويستطرد الشيخ الطبرسي في تفسير الآية (الأنعام 141) قائلا: "وآتوا حقه يوم حصاده" هذا أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد، على الجملة، والحق الذي يجب اخراجه يوم الحصاد فيه قولان أحدهما: إنه الزكاة العشر، أو نصف العشر، عن ابن عباس، ومحمد بن الحنفية، وزيد بن أسلم، والحسن، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والضحاك، وطاوس والثاني: إنه ما تيسر مما يعطى المساكين، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، وعطا، ومجاهد، وابن عمر. وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس. وروى أصحابنا أنه الضغث بعد الضغث، والحفنة بعد الحفنة، وقال إبراهيم، والسدي: الآية منسوخة بفرض العشر، ونصف العشر، لأن هذه الآية مكية، وفرض الزكاة إنما أنزل بالمدينة، ولما روي أن الزكاة نسخ كل صدقة، قالوا: ولأن الزكاة لا تخرج يوم الحصاد، قال علي بن عيسى: وهذا غلط لأن "يوم حصاده" ظرف لحقه، وليس للإيتاء المأمور به. الضغث: قبضة حشيش يختلط فيها الرطب باليابس. الحفنة بالمهملة: ملاء الكفين. "ولا تسرفوا" أي: لا تجاوزوا الحد وفيه أقوال أحدها: إنه خطاب لأرباب الأموال، لا تسرفوا بأن تتصدقوا بالجميع، ولا تبقوا للعيال شيئا، كما فعل ثابت بن قيس بن شماس، فإنه صرم خمسين نخلا، وتصدق بالجميع، ولم يدخل منه شيئا في داره لأهله، عن أبي العالية، وابن جريج. وثانيها: إن معناه ولا تقصروا بأن تمنعوا بعض الواجب، والتقصير سرف، عن سعيد بن المسيب وثالثها: إن المعنى: لا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد، كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، عن أبي مسلم ورابعها: إن معناه لا تنفقوه في المعصية، ولا تضعوه في غير موضعه، وفي جميع هذه الأقوال الخطاب لأرباب الأموال وخامسها: إن الخطاب للأئمة، ومعناه: لا تأخذوا ما يجحف بأرباب الأموال، ولا تأخذوا فوق الحق، عن ابن زيد وسادسها: إن الخطاب للجميع، بأن لا يسرف رب المال في الإعطاء، ولا الإمام في الأخذ، وصرف ذلك إلى غير مصارفه، وهذا أعم فائدة "إنه لا يحب المسرفين" ظاهر المعنى.

جاء في صفحة القرآن دنيا قال سبحانه وتعالى: "والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون" (الأنعام 99) وقال في آية أخرى في نفس السورة: "والزيتون والرمان متشابِهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأنعام 141). فلماذا هذا الإختلاف في التعبير؟ ولنا سؤالان حول اختلاف النظم في الآيتين. السؤال الأول: لماذا قال في الآية الأولى: "مشتبهاً وغير متشابه" وفي الثانية: "متشابِهاً وغير متشابه". السؤال الثاني: لماذا قال في الآيتين "وغير متشابه" ولم يقل في إحداهن: وغير مشتبه؟ وللإجابة عن هذين السؤالين نقول وبالله التوفيق: الاشتباه والتشابه لفظان متقاربان من حيث اللفظ والمعنى، وللتفريق بينهما علينا أن نقف على معنى كلٍّ منهما، فالاشتباه هو الالتباس أي أنك تقع في التباس واختلاط فلا تستطيع التفريق بين شيئين اثنين، أما التشابه فهو أن يشبه شيء شيئاً آخر في صفة أو لون أو هيئة دون أن يقع خلط بين الشيئين فنستطيع التفريق بين الشيء الأول والشيء الثاني، فإن قيل لك: فرق بين زيد وعمرو فإذا فرقت بسهولة فذاك تشابه، وإن لم تستطع فذاك اشتباه، والآن نقف مع سؤالنا فنقول: لماذا اختير في الآية الأولى مُشْتَبِهَاً وفي الثانية مُتَشابِهاً؟

و بالتدبر لهاتين الآيتين والوقوف مع سياق كلٍّ منهما: في الآية الأولى جاء قوله تعالى: "مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون" فالآية تأمر العباد بالنظر إلى الثمر وحسب، وفي هذا إعمال لحاسة واحدة وهي حاسة النظر، أما الآية الثانية فنجد أن الأمر قد اختلف فيها ولننظر: "متشابِهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" فهنا الأمر قد اختلف فهي تأمرهم بالأكل وإتيان حق الثمر يوم حصاده، وغني عن المعرفة بأن الأكل يشمل حاسة النظر إلى المأكول ثم حاسة لمس المأكول ثم حاسة شم المأكول قبل أكله ثم حاسة التذوق فهذه أربع حواس اجتمعت في الأكل، وبعد ذلك تقدير الثمار ومعرفة الجيد من الرديء لأداء حقها، وفي هذا إعمال لأربع حواس لا لحاسة واحدة، فإن رأيت مجموعة من الثمار بينها تشابه فلن تستطيع أن تميز بينها، فلن تعرف الحلو من الحامض ولن تعرف الناضج من غير الناضج ولن تعرف الجيد من الرديء، هذا إذا اقتصرت على حاسة النظر وعندئذ يحسن بنا أن نقول لك: إنك وقعت في الاشتباه، أما إن أخذتك شهوة الطعام فأقدمت ونظرت وقطفت وشممت وأكلت وتذوقت فعندئذ تستطيع أن تميز بين هذه الثمار وتعرف وجه الشبه بينها، فتقول هذه تشبه هذه في كذا دون كذا وهكذا، وعندئذ نقول لك: إنك قد أزلت الاشتباه وعرفت التشابه بين الثمار. ففي الحالة الأولى نعد الثمر مُشْتَبِهَاً وفي الثانية مُتَشابِهاً، هذا عن الفرق بين اللفظتين وعن سر مجيء كلٍّ منهما في السياق الذي جاءت فيه. أما السؤال الثاني وهو لماذا قال في النفي: "غير متشابه" في الآيتين ولم يقل في إحداهن: وغير مشتبه كما قال في الإثبات؟ إن قواعد النفي تختلف عن قواعد الإثبات، وبيان ذلك أنه سبحانه وتعالى عندما قال مشتبهاً لزم من ذلك وجود التشابه فكل مشتبه متشابه، أما عندما قال متشابِهاً فلا يلزم من ذلك وجود الاشتباه فليس كل متشابه مشتبهاً، هذا في الإثبات أما في النفي وهو ما سارت عليه الآيتان الكريمتان بذلك ندرك سر مجيء التشابه دون الاشتباه في النفي، فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينفي التشابه والاشتباه معاً فقال: "وغير متشابه" أي: وغير مشتبه كذلك، ولو قال: وغير مشتبه لم يكن نافياً للتشابه وإنما للاشتباه وحسب، وهذا ما لم ترده الآية الكريمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/28



كتابة تعليق لموضوع : الجناس الناقص (ح 1) (مشتبهاً وغير متشابه)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net