ولنا في أصحاب الحسين أسوة حسنة / ٤
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

نافع بن هلال الجملي
قال تعالى (وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا ) الأحزاب ٢٢
التسليم : كما يعرّفه السيد الخميني قدس سره في كتابه ( جنود العقل والجهل ) بأنه : [ عبارة عن الانقياد الباطنيّ والاعتقاد القلبيّ في مقابل الحقّ ، وهو ثمرة سلامة النّفس من العيوب ، وخلوّها من الملكات الخبيثة ] . ويقول قدس سره ايضا : [ إذا كان المقصود انعدام إرادة العبد في مقابل إرادة الحقّ تعالى ، فهذا هو مقام التسليم ] .
ولأمير المؤمنين عليه السلام كلمة عظيمة يقول فيها : [ لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحد قبلي ، الإسلام هو التّسليم ] .
فالتسليم في المعارف الدينية اذن عبارة عن ملكة نفسانية تعبّر عن ملكات يستبطنها الشخص بعضها يتعلّق بسلامة النفس وطهارة القلب ، وبعضها يتعلق بسلامة الإيمان والاعتقاد ، وكذلك يعبّر التسليم عن قوة إرادة وثقة مطلقة بالاختيارات المستندة على مقدّمات قد محصّها صاحبها قبل أن يعمل وفق نتائجها .. فصاحب مقام التسليم قد تجاوز مراتب وطوى مسافات اقتلع فيها جذور الشك ونظّف نفسه من أدران الجهل والنفاق والكفر والشرك بكافة مستوياته ، الخفية فضلاً عن الجلية ..
والآية المباركة التي تصدّرت المقال أعطت ظرفاً بالغ الأهمية لأصحاب مقام التسليم ، وذكرتهم في سياق المدح والثناء ، ويتمثل في الانقياد المطلق خلف القائد الشرعي في ساحات القتال .. وهذا الانقياد بحسب التعاريف السابقة ليس هو التسليم الاصطلاحي الذي قلنا أنه ( الانقياد الباطني .. ) وإنما هو تجلّي خارجي للتسليم ولازم ظاهري له .. فقد نجد شخصاً قد سلّم أموره لشخص مكرهاً أو على غير ما انطوت عليه النفس ، أو انطبق ظاهره مع باطنه ولكن اعطى زمام أمره لغير أهله .. فهذا ليس من التسليم .. فتأمل
وهذا ما نجده عند أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته ، فعندما نقرأ كلماتهم وردود أفعالهم ومواقفهم منذ اعلان الامام عليه السلام عن ثورته الى وقوع الفاجعة وما بعدها .. فإننا نجد عندهم هذا التسليم المطلق لأبي عبدالله ، عقيدة ناصعة وروح عالية النقاوة ونفس طاهرة وإرادة قوية .. كل هذا تجلّى انقياداً بل فناءً في القيادة الحقة ..
وهذا نافع بن هلال الجملي ، كان سيّداً شريفاً شجاعاً وقارئاً للقرآن ومن حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وقد شهد معه حروبه الثلاثة في العراق ، لما ضيّق الحر بن يزيد الرياحي على الحسين عليه السلام وقام الإمام وخطب خطبته التي قال فيها : [ فقد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا قد تنكرت وأدبرت .. ] قام إليه نافع ( بعد زهير ) ، ومما قاله للإمام : [ فسر بنا راشداً معافى ، شرقاً إن شئت ، وإن شئت مغربا ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، فإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك ] .
انظروا الى دقة كلامه ، عرضَ على الإمام تسليمه وانقياده الكامل ونوّه عن تمام بصيرته وإيمانه في ذلك ، لا عاطفةً منه أو مجاملة أو قد حتّم عليه الظرف وما شاكل ذلك ، ( شرقاً إن شئت وإن شئت مغربا ) هذا التسليمٌ المطلق ، ( فإنا على نيّاتنا وبصائرنا ) هنا مادة التسليم ومنبع وجوده ..
وقاتلُ نافع هو الشمر بن ذي الجوشن عليه لعائن الله حيث أسروه بعدما أثخن بالجراح وجاءوا به الى عمر بن سعد لعنه الله وهناك جرت محاورة انتهت الى أن يأمر ابن سعد شمراً بقتله فقال نافع رضوان الله تعالى عليه : [ الحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ] .
هذا ما ينبغي أن نتعلمه من كربلاء ، متى ما شخّصنا الحق وأهل الحق ، وعرفنا القائد الشرعي لنا ببصيرة ونيّة خالصة ، فلا يبقى أمامنا غير التسليم والاتّباع والطاعة سبيلا ، فلا للتردد موضوع ولا التخاذل مشروع ولا لوساوس الشيطان صوت مسموع .. قال تعالى ( بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ) البقرة ١١٢
#أصحاب_الحسين
يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat