خستخانات بغداد وأطباؤها
عبد الملك كمال الدين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الملك كمال الدين

من ذكريات أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن الذي تلاه أن مدينة بغداد العاصمة كان بها (خستخانتان) الأولى المجيدية نسبة إلى السلطان عبد المجيد العثماني، والثانية مير الياس اليهودي في منطقة العلوازية، وكان من أطبائها الدكتور اليوناني (يانقو) وزميله الإيراني (ميرزا يعقوب) وهما يعالجان جميع الأمراض، فلا اختصاص آنذاك، وهما يقومان بالكشف والتشخيص وإعطاء الدواء. وقد انتشر في وقتهما مرض الملاريا والبلهارزيا والتدرن والأمراض الوبائية مثل الكوليرا والطاعون... وهي صعبة العلاج، حيث إمكانية الطبيب المعرفية، وأجهزة (الخستخانة) البدائية غير كافية لذلك.
ورغم الاهتمام الزائد لم تتمكن (الخستخانة) من معالجة وانقاذ الجنرال الانكليزي المحتل (مود) فكيف حال الفقراء من أهل بغداد الذين كانوا فريسة لأخطار الأمراض، ولا دواء إلا أقراص (الكنين) الوردية المرة المذاق لمعالجة الملاريا، وبعدها أتت أقراص بيضاء تسمى (...ناين، ثري) وكانت أكثر فائدة. ومما يذكر أن عملية استئصال المصران الأعور (الزائدة الدودية) كانت غير سهلة، ونجاحها غير مضمون، وهي قمة ما يتمكن من اجرائها الطبيب، فالمشارط بدائية بلا تعقيم سوى تعريضها لحرارة النار. ومعقم الجروح الوحيد مادة صبغة (التانتريوك) أما عند قلع ضرس، فـ(الكلابة والخيط) وشاب مفتول العضلات يمسك المريض بحيث لا يستطيع الحراك إطلاقا، وعند القلع يعض المريض بطرف (يشماغه) على مكان الضرس المقلوع وهو بغاية الألم .
وفي عموم محلات بغداد نساء عجائز لمعالجة التهاب اللوزتين؛ حيث تبل العجوز أصبعها بالماء ثم تلوثه برماد التنور وتمده في فم المريض، وتدوره يمنة ويسرة حتى تتفجر اللوزتان المحتقنتان. أما في حالة طلب إحدى العوائل طبيباً لمعالجة المريض المقعد أو (المخطور) فأن الدكتور يتأنق ويأتي مسرعا على ظهر حماره، وخلفه مساعده الخاص حاملا حقيبة مستلزماته، ويحث الحمار بعصاه ليسرع ويتدارك حالة المريض، هكذا كانت الحال في العاصمة بغداد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat