مياه الأكواز والجرار الفخارية "ماء بيوتي"
عبد الملك كمال الدين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الملك كمال الدين

متفق عليه أن الكثير من التقاليد والاستعمالات الفطرية ونهج حياة الناس اليومية، كانت متلائمة مع الطبيعة، ومتماشية مع احتياجات الفرد بحيث أن كل سبل الصحة والبيئة منسجمة مع الحياة اليومية بأغلب تفاصيلها وخصوصياتها، والوسيلة المتبعة آنذاك لا خطورة فيها تذكر، خاصة إذا كان الإنسان معتدلا في غذائه ودوائه العشبي وأمور حياته الأخرى، وكلامنا اليوم عن مفردة هامة ذات احتياج يومي ألا وهي ماء الشرب..
فمن المعروف أن (أكواز الماء والجرار الفخارية) هي الأداة الوحيدة للحصول على الماء الصافي البارد الصالح للشرب ومصادره الأنهار والسواقي التي بعضها يجتاز بساتين النخيل وهي عموما خالية من فضلات المعامل الكيمياوية والمجاري وتلوثات المستشفيات وغير ذلك من متاعبنا الحالية التي نراها جلية واضحة في حياة القرن الحادي والعشرين، من أنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر - والحبل على الجرار والله الساتر -!!
نرجع إلى أيامنا الخوالي حيث الإيمان والأمان والبساطة والعفوية وما أحلاها، والمثل يقول (ما تعرف خيري إلا تجرب غيري) وهذا منطبق تماما في يومنا هذا.. تعال معي عزيزي القارئ لترى ضفاف الأنهار والنسوة يحملن (البگم والجرار) على أكتافهن مملوءة بماء النهر الزلال يملأ (الأكواز والجرار الكبيرة) وفي كل بيت (كوز أو كوزين) مربوطة على جذع نخلة، تظلله بسعفها وتحت الكوز اناء فخاري يسمى (الناگوط) تتجمع فيه قطرات الماء المتساقطة من جدران (الكوز)، وهذا يستعمل لتحضير الشاي والقهوة، وعند موسم الصيف حيث النوم على السطوح وترى جرار الماء بالعالي تلامسها نسمات الليل لتجعل من مائها باردا جلابا.
أحيانا يأتي ماء الأنهار (خابطا، دهلة) وعند ذاك (يخاط) ماء الكوز (بفص شب) فتصبح رغوة تنزل بكل العوالق لقاع الكوز ويصفى ما فوقها. أما في المدن الكبيرة فان (السقا يحمل الماء من النهر على ظهر مطاياه) ليوزعها في الأزقة على البيوت، وبعصاه يؤشر على حائط الدار عدد (سگيات الماء) حيث نقل الماء يتم بواسطة أكياس من جلد الحيوانات تسمى (السكة) وتجري عملية التصفية والتبريد كالسابق، والأجر زهيد لأن الماء هبة الله ومن يحمله أو يسقيه للزرع والضرع له أجر وثواب كبير، وهكذا كان الماء (البيوتي) أي الماء (البائت) ليلا حيث يكتسب برودة الليل المنعش.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat