الفساد الإداري: صور شتى لخطرٍ داهم الجزء الأول
د . سامر مؤيد عبد اللطيف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . سامر مؤيد عبد اللطيف

يعد الفساد الإداري آفة عرفتها المجتمعات الإنسانية، وعانت منها، منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وحتى يومنا هذا، لأنها مرتبطة بنزوع بشري غير مشروع في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية؛ ليست من حق الإنسان، ومع ذلك يسعى إليها.
ومع استنطاق الدلالة اللغوية لمفردة الفساد؛ يتضح لها معنى البطلان، فيقال: فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، وقد يأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. فهو (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) سورة الروم: 41، أو (الطغيان والتجبر) كما في قوله تعالى: (... للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً) سورة القصص: 83، أو (عصيان لطاعة الله) كما في قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم) سورة المائدة: 33... ونرى في الآية الكريمة السابقة تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
أما الدلالة الاصطلاحية للفساد اصطلاحاً؛ فتظهر على اتجاهات مختلفة على النحو الآتي:
1. الاتجاه الأول: الفساد هو إساءة الوظيفة العامة، من أجل تحقيق مكاسب خاصة.
يؤكد أنصار هذا الاتجاه؛ أن الفساد هو وسيلة لاستخدام الوظيفة العامة، من أجل تحقيق منفعة ذاتية ـ سواء في شكل عائد مادي أو معنوي ـ وذلك من خلال انتهاك القواعد الرسمية والإجراءات المعمول بها. ومن هذه التعريفات على سبيل المثال، تعريف كريستوفر كلافان، الذي عرّف الفساد بأنه (استخدام السلطة العامة من أجل تحقيق أهداف خاصة)، وأن تحديد هذا المفهوم ينشأ من خلال التمييز بين ما هو عام وما هو خاص.
2. الاتجاه الثاني: الفساد هو انتهاك المعايير الرسمية والخروج على المصلحة العامة. يركّز هذا الاتجاه على أن السلوك المنطوي على الفساد؛ هو ذلك السلوك الذي ينتهك القواعد القانونية الرسمية، التي يفرضها النظام السياسي القائم على مواطنيه. ويُعد (جارولد مانهايم) من أهم العلماء المعبرين عن هذا الاتجاه القانوني. عرف مانهايم الفساد بأنه (سلوك منحرف عن الواجبات والقواعد الرسمية للدور العام، نتيجة للمكاسب ذات الاعتبار الخاص (سواء شخصية أو عائلية أو الجماعات الخصوصية)، والتي تتعلق بالثروة أو المكانة. أو السلوك الذي ينتهك الأحكام والقواعد المانعة، لممارسة أنماط معينة من التأثير والنفوذ ذوي الطابع الشخصي الخاص).
3. الاتجاه الثالث: الفساد كأوضاع بنائية هيكلية.
ينظر هذا الاتجاه إلى الفساد بوصفه نتيجة مجموعة من الاختلالات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع. وعلى هذا الأساس فلكي يتم الكشف عن أسباب الفساد ومظاهره داخل المجتمع، يجب تحديدها داخل البناء الاجتماعي الشامل. ومن أهم التعريفات التي تمثل هذا الاتجاه تعريف (عبد الباسط عبد المعطي)، الذي يرى أن الفساد (أسلوب من أساليب الاستغلال الاجتماعي؛ المصاحب لحيازة القوة الرسمية داخل التنظيمات الإدارية، وهو نتاج لسياق بنائي قائم على العلاقات الاستغلالية التي تؤثر في صور هذا الفساد ومضموناته وموضوعاته وأطرافه، التي يُستغل فيها دوماً من لا يحوزون القوة والسلطة بجوانبها المختلفة، خاصة الاقتصادية والسياسية).
وعلى هذا يُلاحظ وجود علاقة جوهرية بين الفساد البنائي والفساد السلوكي، فوجود النمط الأول يزيد من احتمالات حدوث النمط الثاني بالضرورة، حيث إن السعي إلى تغيير البناء الاجتماعي يرتبط - غالباً - بمجموعة من التوترات والاختلالات، التي تتضمن ألواناً عديدة من الفساد السلوكي داخل المجتمع.
وظاهرة الفساد أمست اليوم ظاهرة عالمية شديدة الانتشار في كافة المجتمعات الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة. أي بعبارة أخرى، إن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، وليست مرتبطة بزمان أو مكان معينين.وقد جاهدت الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص منها، وعقاب المتسبب فيها، لأنها عقبة كأداء في سبيل التطور السليم والصحيح والصحي لتلك المجتمعات.
وقبل الانصراف إلى استعراض أنواع الفساد الإداري بصورة تمفصلية، تجدر الإشارة إلى تنوع مظاهر الفساد بشكل عام، وتفرعه ضمن مجالات شملت مختلف مظاهر النشاط الإنساني، ومن دون الدخول في تعقيدات تلك التفرعات، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
علي الخباز, [25/07/2025 03:03 ص]
1. الفساد السياسي:- ويتعلق بمجمل الانحرافات والمخالفات للقواعد والأحكام التي تنظم عمل النسق السياسي (المؤسسات السياسية) في الدولة. ومع أن هناك فارقاً جوهرياً بين المجتمعات التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليب الديمقراطية وتوسيع المشاركة، وبين الدول التي يكون فيها الحكم شمولياً ودكتاتورياً، لكن العوامل المشتركة لانتشار الفساد في كلا النوعين من الأنظمة تتمثل في نسق الحكم الفاسد (غير الممثل لعموم الأفراد في المجتمع وغير الخاضع للمساءلة الفعالة من قبلهم) وتتمثل مظاهر الفساد السياسي في: الحكم الشمولي الفاسد، وفقدان الديمقراطية، وفقدان المشاركة، وفساد الحكام وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية.
2. الفساد المالي:- ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات، ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي، وتخصيص الأراضي، والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
3. الفساد الأخلاقي:- والمتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الأفراد الشخصي، وتصرفاتهم وعلاقاتهم في المجتمع. ومع غياب الضوابط القيمية لسلوك الأفراد، تلج العلاقات بينهم في دوامة مخيفة من الفوضى والاضطراب الذي يهدد بتفكك بنى المجتمع وانهيار دعاماته المعنوية، وينعكس سلبا بالنتيجة على مسيرة تطوره وبلوغ أهدافه. أي بعبارة أخرى هذا النوع من الفساد يهدد البنيان القيمي والروحي للمجتمع، وخطورته تكمن في صعوبة ضبطه وتحجيمه، ناهيك عن عمق تأثيره وخطورته على المدى البعيد.
4. الفساد الإداري:- ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat