هل ازددت شيئاً في هذا المحرم؟..
حسين النعمة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين النعمة

قبل ان نطوي أيام شهر محرم الحرام الاخيرة جديرٌ بخدام الإمام وأحباءه تدارس هذا السؤال.. وأنا قبلكم أضع نفسي في دائرة الاجابة باحثا عن إجابة راضية في مرآة العقول والضمائر في ضوء النهضة الحسينية
بقلم: حسين النعمة
"لا يمكن للإنسان أن يبقى كما هو بعد أن يمر بمحرم.. فإما أن يزداد وعيًا، أو يفوّت عليه موسمًا من مواسم الارتقاء."
— مستلهم من مقولات د. إبراهيم الفقي
في زحمة الأيام، حين تأكلنا الحياة بتفاصيلها وتسحبنا التيارات بعيدًا عن ذواتنا، يأتي شهر الله المحرم ليعيد ترتيب أرواحنا، ويطرح على كل فرد سؤالاً وجوديًا بصوت التاريخ والضمير: هل ازددت شيئًا هذا المحرم؟
نعم، هو سؤال عميق لا يُجاب عليه بعبارات عامة أو مشاعر آنية، بل بتقويم حقيقي للذات: ماذا غيّرت في داخلي؟ ماذا تعلمت من الإمام الحسين عليه السلام؟ هل استثمرت هذا الموسم المعرفي والروحي لأرقى بذاتي؟
نهضة الحسين: مدرسة تنمية لا تموت
لقد جسدت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أعظم معاني التنمية البشرية الحقيقية: الإرادة، الهدف، الثبات، الوعي، الصبر، والعطاء بلا حدود. إنها ليست فقط ثورة ضد الظلم، بل دعوة لتحرير الإنسان من الداخل، من قيود الخوف والتردد والتبعية والهوى.
لو كان الراحل ستيفن كوفي صاحب كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) معنا، لقال:
"الحسين هو النموذج الأكثر وعيًا للقيادة الذاتية والعيش وفق المبادئ، لا الظروف"
وقد قال (أنتوني روبنز) في أحد كتبه:
"ما يصنع الفرق في حياتك هو القرار الذي تتخذه في لحظة صدق مع نفسك"
ألم يكن كربلاء لحظة القرار الصادق؟ قرار الحسين بأن يكون مع الحق، مهما كلف الثمن، وقرار أصحابه بأن يموتوا على العهد.
ماذا يعني أن تزداد شيئًا في محرم؟
ليس ضربا في فلسفة المواقف بل طرقٌ لباب الضمائر، حيث نبحث هنا عن الزيادة دون أن نعني بها عددًا في الحضور أو دمعا يُذرف، ولا مجرد ارتداء السواد ومواساة عاطفية، بل هي:
زيادة في الوعي: أن نفهم لماذا خرج الحسين، ونفهم أين تقف اليوم؟.
زيادة في الالتزام: أن نفي بوعودِنا لأنفسنا ولمن حولنا كما وفى الحسين وأصحابه؟.
زيادة في الإيجابية: أن نُشع نورًا في محيطنا، كما كان زين العابدين (عليه السلام) نورًا بعد الظلمة.
زيادة في الصبر والمثابرة: أن لا نسقط في أول عثرة، مستلهمين من صمود السيدة زينب (عليها السلام) في وجه الطغاة.
"النجاح الحقيقي هو أن تصبح أفضل نسخة من نفسك"— بريان تريسي
أليس هذا ما يسعى إليه المحب الصادق في مدرسة الإمام الحسين؟..
الحاجة لوقفة محاسبة: أين أنت من الحسين؟..
في كل ليلة من محرم، يُتلى مصاب الحسين، وتُستعاد دموع كربلاء، لكن السؤال الجوهري: أين أنت من القيم التي ضحى من أجلها؟.
هل نطقت مرة بكلمة حق، ودافعت عن مظلوم، وقلت "لا" في وجه باطل؟.
هل غيّرت شيئا في سلوكك، توقفت عن عادة سيئة، بدأت عادة حسنة؟.
هل سامحت؟ هل ارتقيت بروحك؟ هل جاهدت نفسك؟.
هل ازددت محبة للحسين تقودك لفعل الخير؟ أم أنها بقيت مشاعر موسمية تمضي مع انقضاء العشرة؟.
دعوة للتغيير.. لا للتكرار
إذا كان الحسين (عليه السلام) خرج ليُغيّر، أفلا يليق بمن يحبه أن يسعى بدوره للتغيير؟..
"من لا يتغيّر، لن يتقدم" — جيم رون
والحسين لم يخرج ليبقى الناس كما هم، بل ليكون مشعلاً للهداية:
"إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".
فليكن كل محرّم وقفة تنمية، لا مجرد مناسبة دينية، وكل دمعة حسينية، خطوة نحو النقاء والنهوض.
وقفة ختام: ماذا ستكتب في دفتر محرم؟
دوّن لنفسك:
- قراراتك هذا العام.
- التزامك بتغيير شخصي أو اجتماعي أو سلوكي.
- مشروعًا صغيرًا في حب الحسين: صدقة، إصلاح، مساعدة، مبادرة ثقافية، دعم لقضية إنسانية.
- لا تترك محرم يمر عليك مرور الذكرى.. بل ليكن بداية نهضتك الخاصة.
"كن أنت الحسين في معركتك الداخلية… وانهض".
فالسؤال سيبقى يلاحقنا حتى العام المقبل: هل ازددت شيئًا في هذا المحرم؟.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat