قناة كربلاء الفضائية.. حين حفرت العدسة اسمها مرآةً للعقيدة
حسين النعمة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين النعمة

من عمق القباب الذهبية، من حيث تستيقظ الأرواح وتذوب الخطى في حضرة الحسين، ومن ظلال الضريح، الذي لا يخفت فيه النور، انطلقت قناة كربلاء الفضائية لا كبثٍّ عابر، بل كصرخة هادئة تقول: هنا كربلاء، وهنا العقيدة تنبض بعدسة، وتنطق بشاشة، وتكتب بأصوات صدّاحة لا تنحني؛ لم تكن مشروعا تقنيا فقط، بل كانت وعدا حسينيا بأن الشعيرة ستبقى، والصوت سيُسمع، والصورة ستقول ما لا يقوله الصمت، فسارت بعدستها ومضمونها، لتكون صوت الشعيرة الحسينية الأصيل، ونبض الانتظار، وذاكرة المدن، ومرآة الأمة.
بين الحياد والولاء... اختارت درب الحسين
منذ انطلاقتها، لم تقف القناة على الحياد الرمادي، بل اختارت الحبر الأحمر للعقيدة، ومشت في درب الولاء، بشفافيةٌ لم تساوم، ومصداقيةٌ لم تهادن، لم تنهج الحياد في زمن التغريب لأنه خيانة، وصوتها لم يصمت في زمن الخذلان، لذلك، كان انحيازها للحسين لا شعارا، بل قرارا ومسارا، ومنبرا للعقيدة لا يعرف الحياد؛ ومنبرا إعلاميا يطل على أرواح الملايين بوقار الرسالة ووضوح البصيرة، كانت حاضرة في كل موسم، شاهدة لا متفرجة، ناطقة لا مترددة، فغدت موضع ثقةٍ لدى جمهور عريض تزايد عاما بعد عام، لا لأنها تبهر، بل لأنها تصدق.
حين يتحدث المشاهد... تولد الشهادات الصادقة
لقد تماهت القناة مع قلوب مشاهديها حتى باتت شريكة يومياتهم، وحاضرة في زوايا بيوتهم. تقول الأستاذة روضة التونسية، أستاذة الاقتصاد في الجامعات التونسية، في حوار خاص:
"قناة كربلاء هذه شريكة لحظاتي.. لا يمكن أن يمرّ يوم دون أن أفتح تطبيق القناة أو أضع الشاشة في الدار على دعاء أو زيارة معصوم.. إنّها سكينة اليوم ونبض القلب".
وتشاطرها هذا الشعور إعلاميات من الضاحية الجنوبية في لبنان حين قلن:
"قناة كربلاء هي صوت كربلاء الذي يطلّ علينا يوميا من ضريح الإمام الحسين (عليه السلام).. تُشعرنا أن العزاء ما زال قائمًا، وأن كربلاء لم تغب"
بل حتى الإعلامي العربي البارز جورج قرداحي، صاحب الصوت المميز والقلب الطاهر، قال لي يوما:
"لديكم قناة ككربلاء تأسر العالم.. هي المرجع الأهم لخطاب المرجعية الدينية العليا، وتقدّم أنقى صورة عن إعلام الروح".
هذه الشهادات، وغيرها كثير، لا يسع المقال ذكرها، لكنها تبقى علامات تضيء طريقًا طويلًا سلكته القناة بمهنية وأصالة.
برامجها.. حكايةُ فكرٍ وروح
ما يميّز قناة كربلاء ليس فقط موقعها الجغرافي من الضريح، بل موقعها العقائدي من الحسين. ولذا، جاءت برامجها مرآة لفكر أهل البيت عليهم السلام، وتعبيرًا معاصرًا عن هموم الإنسان وعقله وروحه:
إعلام المنبر الحسيني: وثائقي كتبه الحبر من داخل لهيب المواكب، أعدّه الإعلامي حسين النعمة، وكرّمه مهرجان الغدير العالمي بجائزتين في موسميه الأول والثاني، ليغدو شهادة عالمية على أن المنبر الحسيني لا يزال ينبض.
قصة مدينة: وثائقي رقيق كتبه الكاتب محمد الميالي، يأخذ المشاهدين إلى ذاكرة المدن العراقية وتراثها، بأسلوب إنساني يربط الناس بأرضهم.
منكم وإليكم: صباحات ينسجها المخرج حمزة الحديدي بأناقة إعلامية، فيها نوافذ متنوعة على الحياة، وتفاعل جميل مع نبض المجتمع.
حوارات: منبر فكري استثنائي أغناه حيدر السلامي ولطيف القصاب، تناولا فيه قضايا الانتظار، وثقافة المهجر، وتراث آل البيت، بلغة رصينة وقلب حسيني صادق.
المهدي بقية الله: حوارات عميقة في القضية المهدوية، من تقديم الأستاذ حسام الدين مهدي وضيفه الشيخ عمار البغدادي، برنامج يملأ فراغ الوعي المهدوي برؤية علمية واضحة.
ولهنّ رأي: منصة اجتماعية لنساء يواجهن العصر، يناقشن قضايا الأسرة والدولة والمسؤولية، ويكسرن الصمت بلغة واعية لا تستجدي العطف، بل تطالب بالإصلاح.
الطف والغزو الثقافي: برنامج يعيد ربط الوجدان الكربلائي بأسئلة العصر، ويكشف كيف أن الطف ليس موقعة فقط، بل درعًا ضد مسخ الهوية وسرقة المعنى.
البث المباشر... ذاكرة اللحظة ومحراب الشعائر
وإن كانت البرامج أعمدة البناء، فإن البثّ المباشر لقناة كربلاء هو روحها النابضة؛ إذ لا يمكن وصف الامتنان تجاه نقلها الحي والدقيق لمواسم العزاء، والزيارات، والمناسبات الدينية الكبرى من العتبات المقدسة، البث عندها ليس مجرد نقل، بل حضور حيّ في قلب الحدث، يجعل من الشاهد شريكًا لا متفرجا.
ولعل البث المباشر هو الحدث اليومي الأهم الذي يجعل من قناة كربلاء بيتا لا شاشة فقط؛ حين تنقل صلوات الزيارات، ومجالس العزاء، وأصوات البكاء من الضريح، يُحسّ المشاهد وكأنه هناك، يشارك، يُسبّح، يهمس بالدعاء، ويشرب من نهر الحسين وهو على بعد قارات.
لغة معاصرة.. بثوب لا يبهت
قناة كربلاء لم تغيّر ثوبها، بل زينته بقلائد من فكر الحسين، وأصوات من عشق عليّ، وأقلامٍ صدّاحة لا تتلوّن، بل تزداد نصوعا في زمن التلوّن؛ تواكب العصر بلغة الإعلام الحديث، لكنها لا تغترب عن هويتها، بل تجعل من التقنيات الحديثة وسائل لنقل الحسين إلى المستقبل، لا لإخفائه خلف المؤثرات.
مشرفون صنعوا هوية الشاشة..
عرفانًا، لا بد من الإشارة إلى من وقفوا خلف الكاميرا فصنعوا هويتها ووهجها. لقد كان للأستاذ حيدر جلوخان، المشرف العام الأول، دورٌ مفصلي في صياغة الخطاب الإعلامي للقناة، بنكهة الحسين وبصيرة المرجعية. ومن بعده، جاء السيد مصطفى مهدي، ليكون العين الساهرة، والقلب الدافع، والصوت الذي يجوب أزقة الإعلاميين توجيهًا ودعمًا، فازداد البريق، واتّسعت رقعة المحبة.
كلمة أخيرة..
قناة كربلاء ليست مشروعًا إعلاميًا عابرًا، بل هي امتداد للمنبر، ورفيقة الدعاء، وأيقونة في زمن الضجيج. هي الحسين حين يتحدث بالصورة، وكربلاء حين تزهر على الشاشة، والمرجعية حين تبعث خطابها بلغات العصر.
فشكرًا لقناة كربلاء... شكرا بعدد دعوات الأمهات، وخطى الزائرين، ودموع العاشقين.
شكرًا لأنها لا تزال تحفر في الذاكرة اسمًا، وفي القلوب أثرا، وفي العقيدة مرآة لا تُنسى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat