صفحة الكاتب : ا . د . وليد سعيد البياتي

إضاءات ... آفاق تدوينية  الحسين (عليه السلام) روح الأمة وعنوان استمرارها
ا . د . وليد سعيد البياتي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   منذ البدء جاءت الرسالة الخاتم لتشكل تحديا عنيفا لوعي المجتمع القبلي، بتخليها عن علاقة الانسان بمجتمعه الضيق (القبيلة) لصالح الامة، ولإعادة منهجة تكريس الولاء الفردي ليكون في صالح العقيدة الرسالية، فالله عز وجل لم يترك الانسان يصارع الوجود وتفاعلات الحياة وحده ولكن سدده ولطف به، فكانت الرسالات منهجا وهدى ورحمة، غير ان الامة وفي مرحلة ليست بعيدة عن تاريخ وفاة الرسول الخاتم قد اصيبت بانتكاس في الوعي الجمعي لتخلي قياداتها عن المنهج الرسالي وابتعادها عن الخط الالهي مما شكل انتكاسا سمح للوعي السلبي بالظهور مرة ثانيا منطلقا من الرؤيا الجاهلية في التفكير والتي لم تغادر عقول معظم الأفراد إلا ما ندر.

  فالشرك في العصر الجاهلي عبر عن فوضى العقل، في حين جاءت الرسالة السماوية لتعيد ترتيب مناهج الوعي عبر الايمان بالله الواحد، ومن هنا كان العقل احد اهم مصادر التشريع بعد الكتاب والسنة المطهرة، كما انه الدليل الى الله عز وجل.
الحسين (ع) ومنظومة استعادة الوعي:
  يمكن القول بكل بساطة ان نهضة الامام الحسن (ع) انما هو فعل اسلامي ايجابي تجاه سلبية الوعي والانحراف، فسلوك الامام الحسين وشعاره في نهضته وكل ذلك الكم من الخطب والتوجيهات انما يمثل سلوكا ينطلق من روح الاسلام، ولكن الاشكالية تكمن ان الباحثين والاكاديميين يحاولون معايرة نهضة الامام الحسين من منظور الدراسات التاريخية والاجتماعية وفق المعايير الغربية، ولهذا فنحن نحتاج لمعايير اسلامية خالصة يمكن لنا من خلالها احاطة سلوك الائمة بشكل يقترب من المنهج الالهي، وعندها سنكتشف كيف ان الامام الحسين عليه السلام قد تجاوز بنهضته معايير العصر.
  كان الامام الحسين ينظر للامة باعتبارها جسدا تم طعنه وانهاكه من خلال سلبيات المناهج الوضعية، وهو (أي الامام الحسين عليه السلام) كالجراح اراد ايجاد الدواء الشافي بكل السبل المتاحة من نصح وايضاح وتبيان، حتى وجد انه لم يعد من سبيل غير (الكي) باعتباره آخر السبل، فكانت نهضته وتقديمة لنفسه وخيرة شباب أهل البيت وخيرة مشايخ وشباب عصره لتكون دماؤهم علاجا لأسقام الامة، واستنهاضا لوعيها، وإخراجا للعقل الجمعي من السكون والجمود الى الفعل.
  فالتضحية تتناسب طرديا وحجم الانحراف كما ذكرنا في بحوث سابقة، فكلما كان الانحراف شديدا كلما وجب ان تكون التضحية اعلى مقاما واشد ايقاعا في نفسية الامة وضميرها واشد تأثيرا في حركة التاريخ.
الامة بعد الحسين (ع):
  أرادت الامة الاسلامية في استذكارها لاحياة شهادة الامام الحسين واهل بيته وانصاره ان تستعيد القيم الايجابية التي دعت اليها تلك النهضة الانسانية، فالطبيعة البشرية والنفس الانسانية تحتفل بالخير، وتنصاع لمعاني القيم العليا في تصديها للظلم، واذا اختلفت اساليب التعبير من الكتابة الى الخطابة الى الشعر الى محاولة تجسيد الحدث عبر التمثيل والتماهي مع معانيه، كل تلك الأساليب انما هي نتاج لوعي الامة بقيمة هذا الحدث وحجم النتائج المترتبة عليه.
  إن الانتماء للامة هو انتماء لقيمها الرسالية التي نادى بها الامام الحسين ودافع عنها حد الشهادة، فاستمرار الامة الاسلامية في صيرورتها عبر التاريخ يمثل احد اشكال حفظ الرسالة، وما كان هذا الاستمرار ان يتم لولا قيام حركة الحسين (ع) الاصلاحية.
  من هنا يتضح ان محاولات البعض في سلخ الامة عن تاريخها الرسالي انما يمثل دعوة مباشرة لعودة الفكر الجاهلي بكل اشكاله، وما حدث عبر العصور من محاولات لابعاد عقل الامة عن نهضة الامام الحسين (ع) كان يسير باتجاه شل الوعي الجمعي عن حقيقة وجوب ظهور حركات الاصلاح، وهذا ما شاهدناه عبر حركة التاريخ منذ وفاة الرسول الخاتم (ص)، وبعد ذلك في العصور الاموية والعباسية من محاولات لتخلي الوعي عن مفهوم القيادة النهضوية، فتم محاربة كل الحركات الاصلاحية مثل (ثورة التوابين، وثورة زيد بن علي بن الحسين وثورة الحسين بن علي الخير في واقعة فخ) وغيرها من النهضات الانسانية الداعية لاصلاح واقع الامة المنحرف.
  ان يقين الامة بضرورة الحاجة الى الاحتفاظ بحجم ومساحة الوعي الذي اثارته نهضة الامام الحسين (ع) إنما جاء لاستعادة الرؤية الحسينية للحدث، فنكوص ضمير الامة سيعني التخلي عن تاريخها ونهضتها، فالحسين كان ولا يزال مشروعا حضاريا للخروج من ضحالة الانتماء السلبي الى ايجابية الرؤيا المستقبلية، وعلى الامة ان تعي قيمة هذه النهضة عبر استذكار صاحبها ووقائعها بشكل مستمر وبمختلف الأساليب.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . وليد سعيد البياتي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/24


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • بحث في فلسفة العصمة/  الانسان والعصمة بين الحياة الدنيا ومعارج الروح  (المقالات)

    • التأثيرات العرفانية في علم السلوك عند الشيعة الإمامية   (المقالات)

    • تطور النزعة الانسانية في التشريع الاسلامي بحث في فلسفة التشريع  (المقالات)

    • واقعية الموت والشهادة شهادة الإمام (علي عليه السلام) إنموذجا  (المقالات)

    • بحث في فلسفة العرفان التأثيرات العرفانية في علم السلوك عند الشيعة الإمامية   (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : إضاءات ... آفاق تدوينية  الحسين (عليه السلام) روح الأمة وعنوان استمرارها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net