صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ما بعد سوريا مشروع إذلال بقية العرب
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من أجل إسقاط مشروع مقاومة الاستكبار والصهيونية العالمية، بذلت أمريكا وحلفاؤها جهودا جبّارة، أنفقوا من أجل تحقيقه تريليونات الدولارات، وهي أموال تطوّعت بها دويلات عميلة، اختار حكامها أن يكونوا طوع ورهن إشارة أمريكا وتحت تصرّفها، فهي وبريطانيا صاحبتي فضل على استمرارهم في حكم ليسوا أهلا لتنسّمه حتى في أحلامهم، فلا أصل لهم معرّفٌ بهم، ولا ثقافة يمتلكونها معبّرة عن مخزون قِيَمِهم، ولا دين يحوزهم عن فعل قبيح ما، يرونه جائزا مع انتسابهم إلى شريعة خاتمة تظاهرا دون حقيقة تُرى.

لقد كان انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني، بداية التّحوّل في الصراع العالمي، حيث حدثت المفاجأة في إيران، وبواسطة قوم سلمان المحمدي، أمكن تمهيد الطريق نحو تحقق الوعد الإلهي بقيامهم، وكان ذلك عامل أحدث صدمة في العالم الغربي، لم يكن في حساب قادته، أن يكون ذلك التحوّل الجذري والعميق في صراع السياسة العالمية، بخروج هذا المارد من قمقمه، متحدّيا غطرسة وقوّة أكبر دولة في العالم، مُهينا ومُذلّا لها في ما عُرِف بحادثة احتجاز رهائن وكر الجاسوسية في طهران، كانت أياما وأسابيع وأشهرا سوداء على أمريكا استمرت 444 يوما.

  • ذلك الهجوم المعبّر عن توكّل قيادة وشعب على الله وحده، بدأ صراع مرير بين أمريكا وحلفها الشيطاني، وبين رجال الله الذين نذرهم لنصرة دينه وإعلاء كلماته التّامّات، استمرّ متصاعدا في حدّته، إلى أن يتحقّق الوعد الإلهي بالنصر المؤزر، يوم تتباشر شعوب الأمّة الإسلامية بخلاصها من طغيان أمريكا وحلفائها الغربيين، ويأتي الدوّر عليها بإسقاط شرذمة المنافقين من حكامها، أعداء الإسلام وقيمه العليا، والمعطّلين الحقيقيين لقيامه، باعتماد ثقافات هجينة غريبة عن تفكيرنا وسلوكياتنا.

معاداة القوى الغربية المتصهينة وأذنابها بيننا، نابع من دخول إيران مباشرة في بناء محور مقاومة صادق، يتحرّك في انتجاه هدف واحد، وهو تحرير فلسطين والقدس، ولا شيء بإمكانه أن يحقّق ما وراء ذلك من أهداف أخرى، من شأنها أن تقرّبنا من عصر عالمية الإسلام وسرعة انتشاره، وقبول الشعوب الأخرى به، على أساس حقانيته في الدفاع عن القيم الإنسانية، التي يحاول الغب بدوله ومنظماته تمييعها، وحصرها في عرقه الأبيض وحده، وقد تبيّن مما يجري في قطاع غزة زيف حقوق الإنسان عندهم، كأنّما المدوّنة التي صاغوها بعد الحرب الكونية الثانية لا تعني انسان شعوبنا.

مع استفحال واستقواء مشروع عزّة الإسلام وأمّته، ممثلا في قيام حركات مقاومة، تدرّجت في سُلّم النموّ والتطور والاشتداد، وحققت نجاحات مُهِمّة في مواجهة الكيان الصهيوني سواء في جنوب لبنان أو في قطاع غزّة، انظاف إليها أنصار الله في اليمن وجيش وحكومة صنعاء، الذين برهنوا على أنّهم من طينة أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبِهِم حدث تطوّر نوعي في مواجه الصهاينة، دعما ونصرة لغزّة في محنتها التي ابتُليت بها، مقابل صمت عربي اسلامي شعبي وحكومي يدعونا إلى طرح سؤال إلى هؤلاء الخانعين: هل أنتم متأكدون من أن أطماع الصهيونية العالمية ستقف عند غزّة فلا تتجاوزها؟ وهل تملكون ضمانات حقيقية، تسْتَثنيكم من أن يصيبكم ما أصاب غزّة؟

لقد سقط الحساب الأمريكي والصهيوني بشأن تقزيم إيران، أو اسقاطها في أحسن نتائج غدرهم الذي كانوا يتوقّعون حصوله، بعد انتهاء عدوان شنوه على قياداتها ومقراتها السيادية، وأسفر عن خسائر جسيمة طالت قيادات من الصف الأول، وعلماء نوويين كبار، ومواقع استراتيجية لم يكن لهم أن يصلوا إليها، لولا عملاء زرعوا في الداخل الإيراني، لكن حسابات أمريكا وكيانها العدواني الغاصب سقطت في الماء، باستيعاب إيران الضربات الأولى، ومبادرتها السريعة في رّدّ صاعق داخل فلسطين المحتلة، برهن على القوة الصاروخية الخارقة التي تمتلكها إيران، والتي أثبتت للعالم أنّ من يتحرّش بها سيلقى مصيرا مظلما، ولو كشف الصهاينة على خسائرهم التي مُنُوا بها، لثبت للعالم باسره أن عيش الصهيوني داخل فلسطين أصبح مستحيلا، في ظل الصواريخ الإيرانية خرّمشهر وسجّيل وقيامة وأخواتها.

مؤامرات أمريكا وحلفاؤها كبيرة استهدفت إيران، ولئن خسرت جبهة الجولان، على أساس أنّه منها يُفْتَرَض أن يكون منها الدخول البرّي إلى الجليل، بسبب هشاشة النظام البعثي، وخذلان قادته لمشروع التحرير الحقيقي الذي تقوده إيران، فإّنها بالتأكيد لم تخسر معركة، انما الخاسر الوحيد هنا هو الشعب السوري الذي سقط في أول امتحان خاضه بعد سقوط بشار وهو وضع رقاب مكوناته العرقية والطائفية تحت سكين الإرهاب التكفيري، وسوريا اليوم أشبه بحلبة مصارعة ثيران (الكورّيدا Corrida) الإسبانية، عبثية مدفوعة بأحقاد وهميّة ستزيد من معاناة السوريين إذا ما تواصلت بدافع انتقام لا أساس له في حياتهم، وقد كانوا من قبل يعيشون في سلم وأمان لم يعكّر صفوه شيء، إلى أن زُرِعت بذرة الشجرة الملعونة في القرآن، في عقول من رأى في الأمويّة القديمة خيرا يمكن البناء عليه، في عصر الذرّة والتقنيات العالية القيمة والأداء.

ومن كان يعتقد من العرب - شعوبا وحكومات - أنهم بمنأى عن الاطماع الصهيونية فهو واهم بالتأكيد، فالدوّر آت لا محالة عليهم، وخذلانهم لغزّة اليوم دليل على أنهم أنظمة لا حول لها ولا قوّة من دون الأوامر الأمريكية الغربية، والجيوش التي جيّشوها، وأرسلوا ضباطهم للتدرب على فنون القتال في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، هل نفعت في شيء يمكن أن يعود بالفائدة على دولهم؟ حماية الأوطان يبدأ من خارجها وتوقي العدوان يسبقه بالضرب حتى يعي الأعداء أنهم سيلقون عقابا صارما في صورة الاقدام على أي عدوان، من هنا أدعو إلى حلّ هذه الجيوش لأنها بلا فائدة، والتماس السلم بلا قوة، غباء لا يقبله شعب في أوساطه عقلاء، ولا خيار لنا في أن نكون شعوبا مدافعة عن حقوقها، بجيوش وطنية ملتزمة بقواعد الدفاع، وافضل الدفاع هو الهجوم، أو نرضي بأن نساق كالخرفان للذبح بلا كرامة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/23



كتابة تعليق لموضوع : ما بعد سوريا مشروع إذلال بقية العرب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net