حوارية (١٤٦) هل ثورة الإمام الحسين (ع) أخذت مساحتها أهدافها في والواقع المعاش؟
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زاهر حسين العبدالله

السائل:
الأستاذ الفاضل أبا سجاد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد كان للثورة الحسينية أهدافاً ضحى من أجلها الإمام عليه السلام بنفسه وأهله وصحبه. فما هي مصاديق تلك الثورة الخالدة في زمننا الحاضر؟
بمعنى أوضح هل الأهداف التي ضحى من أجلها الإمام عليه السلام أخذت مساحتها على الواقع المعاش؟ أم أن تلك الأهداف نستطيع أن نصفها بأنها أمنيات كان الإمام الحسين عليه السلام يتمنى أن تتحقق؟
الجواب بسمه تعالى:
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٥٦)} مريم.
الإمام الحسين عليه السلام قدم كل ما يملك من أجل هداية الناس وإقامة دين الله سبحانه لذلك تجد محبة الإمام الحسين عليه السلام أخذت مساحتها الواسعة في قلوب الأحرار والمنصفين من جميع الأديان. وعليه لا يمكن ألا يكون ذلك مؤثراً في وجدان الأمة. ولكن لا نستطيع أن نقول أن نهضة الإمام الحسين (ع) أثرت بالمطلق لأنها متعلقة بإقبال القلوب وإيمانها بقضيته عليه السلام. الإمام الحسين (ع) داعي إلى الله سبحانه قام بدوره الكامل في هداية الناس من الظلمات إلى النور حينما رفع شعاراً واضحا بصوته الشريف فقال : [ وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ](١) فمن كان قلبه سليماً سيجد في كلماته الشريفة أثر ذلك بالغاً في نفسه وعمق إيمانه فينجذب نحوه ويسير في خطه ولكن من عمي قلبه لن تؤثر عليه هداية الإمام روحي له الفداء مثل الذين قاتلوه وسيستمر ذلك ممن رضي بفعلهم حتى يومنا الحاضر وعليه
يمكن تحليل مدى تحقق أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في الواقع المعاصر من خلال المحاور التالية:
1. إصلاح عمق العلاقة مع الله سبحانه وتعزيز القيم.
يُعتبر أحد أهداف الإمام الحسين عليه السلام الرئيسية هو تصحيح المسار الديني وإعادة الأمة إلى جادة الصواب. اليوم، نرى أن ثورته أصبحت مصدر إلهام للمسلمين في التمسك بالقيم الإيمانية والعدالة الاجتماعية. كما أن خطابه في كربلاء يركز على التوبة والرجوع إلى الله، وهو ما يُمارس في الشعائر الحسينية كمناسبات للتطهير الروحي.
• ومع ذلك، هناك انحرافات في بعض الممارسات التي قد تبتعد عن الجوهر الروحي لثورته، مثل تحويل الشعائر إلى طقوس شكلية دون وعي حقيقي برسالته السامية .
2- مواجهة الظلم والاستبداد بشتى صوره.
ضحى الإمام الحسين عليه السلام بكل وجوده ليقول "لا" للظلم والطغيان، خاصة في مواجهة النظام الأموي .لذا أصبحت اليوم كربلاء رمزًا عالميًا للمقاومة ضد الأنظمة المستبدة، حيث تستلهم العديد من الحركات الثورية خطابه المدوي ( هيهات من الذلة) في مواجهة الاضطهاد .
لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك عند بعض الأنظمة ، مما يدل على أن المعركة ضد الظلم لم تُحسم بعد.
3-الحفاظ على كرامة الإنسان في مختلف أبعادها.
رفض الإمام الحسين (ع) الخنوع والذل، مؤكدًا على أن "الموت في العز خير من الحياة في الذل". حينما قال: ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما... (٢) هذا المبدأ يتجلى اليوم في التضحيات الكبيرة من أجل الحرية والكرامة في العالم واللبيب بالإشارة يفهم.
٤- التأثير الثقافي والاجتماعي الذي خلّفه مولانا الإمام الحسين (ع).
أصبحت فاجعة الطف منارةً ثقافية تُدرّس فيها الآداب والفنون، كما أن النهضة الحسينية ألهمت أعمالاً فنية وأدبية تُعلي قيم التضحية بالروح والأهل والأصحاب.
• لكن هناك تقصير في نقل الرسالة العميقة للثورة للأجيال الجديدة، حيث يُختزل أحيانًا في مظاهر شكلية دون مضامين عميقة .
٥-بقاء الدين حيًا:
الثورة الحسينية ساهمت في حفظ جوهر الإسلام من التحريف والانحراف الذي كانت تمارسه السلطة الأموية. بقيت القيم التي خرج من أجلها الإمام الحسين (كالعدل، والكرامة، ورفض الذل) حيّة في وجدان الأمة حتى يومنا الحاضر. فأصبحت مرجعاً أصيلاً تعود إليه العقول المنيرة والنفوس الصافية.
٦-الرسوخ في الذاكرة الإسلامية:
كربلاء الإمام الحسين عليه السلام ليست مجرد معركة راح ضحيتها أشرف الناس وسُبيت فيها بنات الرسالة، بل أصبحت منهجاً ومدرسة في عمق الوجدان تحمله الأجيال ، فأخذت مكانة عظيمة في ضمير المسلمين وغيرهم، وخاصة ممن شرب حبهم وتغذى هديهم وهم أتباع أهل البيت (ع) نسأل من الله سبحانه أن نكون منهم.
الخلاصة:
أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) تحققت جزئيًا في كثير من الجوانب الروحية والثقافية، وستبقى مشروعاً مستمراً يحتاج إلى إحياء حقيقي في الفكر والممارسة وهذا مرتهن على وعي الناس بقيمة هذه التضحية الكبيرة التي بذل مهجته مولانا سيد الشهداء فالسلام عليه حين ولد وحين عاش وحين استشهد صابراً محتسباً وحين يُبعث حيا. بلغنا الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
المصادر:
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٩.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٨١.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat