لم يرد أبو عبدالله عليه السلام من كربلاء أن تكون يتيمة العصور ووحيدة الدهور ، فالتضحيات الجسيمة التي قدّمها صلوات الله عليه لا تفي حجمها ويسدّ ديونها إلا أن تكون في كل أرض كربلاء وفي كل يوم عاشوراء مادامت أسباب كربلاء موجودة وأهدافها غير متحققة .. وهذا ما نفهمه من كلماته عليه السلام التي أطلقها من لحظة القيام وحتى الشهادة ، فكلها تصريح أو تلميح لهذا المعنى ، فماذا يعني مثلاً بقوله : [ أَيُّها النَّاسُ إِنَّ رسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم - قال : « مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسَلَّمَ - يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيِّرْ مَا عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ» ] ..!! فهنا عليه السلام في مقام تأسيس قاعدة لا تبرير فعل ..
فمن يقول أن كربلاء واحدة وحسيناً واحد وعباساً واحد وزينب واحدة نقول له قد قتلت كربلاء ورحّلتها الى رفوف التاريخ وأحفوريات الماضي .
تقول لي : كربلاء تاريخ فيه عبرة وموعظة لنا وليس ماضياً جامداً غير ذي فائدة ..؟
أقول لك : لأخذ العبرة والموعظة مستويات ودرجات ، وكلما علت الدرجة كلما اقترب صاحبها من تجسيد شخصيات ومواقف وبطولات كربلاء أكثر حتى يستحق أن يكون زهير أو برير أو عباس أو حسين عصره .. !
فمن الظلم أن يكون في عصرٍ ما أو مكانٍ ما يزيد ذلك الزمان والمكان ولا يكون هناك شخص أو موقف كربلائي ازاءه ..!
فعندما صدحت الحوراء أمام يزيد بخطبتها التي قالت فيها [ فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ] فإن تجسيد مواقفهم هو أعلى درجات الذكر وأسمى معاني الإحياء ..
يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat