صفحة الكاتب : د . محمد خضير الانباري

تخرج اليتيم بين الفرح والحزن 
د . محمد خضير الانباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  في مشهد تراجيدي، مفرحاً ومحزناً، مملوءاً بالتعابير والأوصاف الجميلة. تخرج الشاب (الحيدر) من الكلية العسكرية برتبة (ملازم). توجه بعد الاستعراض وترديد قسم التخرج وتلاوة المرسوم الجمهوري الى حدائق تواجد المهنئين من أولياء أمور الخريجين– الآباء والأمهات- ومن حضر لمشاركتهم أفراحهم، ليستقبلوهم بالأهازيج ونثر الحلوى ( الجكليت) فوق رؤوسهم مصحوبة بالهلاهل والرقص على أنغام الفرق الموسيقية الشعبية المنتشرة في الساحة.  كان المفروض أن يكون أول المهنئين والفرحين له (الوالدين ) .
      ولكن بقي ( الحيدر) عند نهاية الممرينظر الى السماء، متلفتاً يميناً ويساراً، ليبحث عن والديه بين جموع المتواجدين ، وهنا استحضر أفكاره، ونزلت دموعه على خديه، إذ ؛ تذكر، بأنهم قد رحلوا الى الرفيق الأعلى منذ سنوات عدة ، لأن مشيئة الله كانت أكبر وأعظم،  وتذكر قوله الكريم: أنا لله وإنا إليه راجعون ، ويدعون لهم بالقول: رحمهم الله - غفر الله لهم  ذنوبهم - وأدخلهم فسيح جناته . 
         في هذه اللحظات، ونحن نراقب الحيدر، فقد امتزجت دموع فرحه مع ذكريات الحزن وفقدان الوالدين  وهو يرى غيابهما عن تقبيله وحضنه بصدورهم له، أسوة ، بما يشاهده برفاقه الخريجون واستقبال عوائلهم له.
      إن الله – وتعالى- لا ينسى اليتيم، فقد كان من ينوب عنهم، وبدأت الابتسامة تعود له، عندما شاهد أعمامه وأخويه، وأبناء عمومته، ليعوضوا له ذلك الفقدان ، وليشاركوا ابنهم فرحته. لقد كانوا له السند الكبير في الدعم والتشجيع الى أن ما وصل إليه ، وهي ليست منةً من أحد، بل واجب مقدس، ومن أفضل الأعمال التي تقربهم الى الله – سبحانه وتعالى- في  دعم - ابن أخيهم- ليشق طريقه ومستقبله .
  يعد فقدان الوالدين من التجارب المؤلمة والصعبة ، حيث يترك فراغاً كبيراً في حياة الأبناء، ويسبب حزناً عميقاً وألماً نفسياً ، يؤثر على مختلف جوانب الحياة.  كلّما قسى الزمان ، وتعاظمت الهموم والمشاكل، ولم نجد أحداً يحنو علينا مثل الوالدين . يردد اليتيم القول : أبي - أمّي؛  لم يجف لساني عن ترديد كل الأدعية إليكما، أعلم أنّك ستفرحون جداً بتخرجي اليوم، وتتمنون رؤيتي وأنا أحمل رتبة ملازم على كتفي، سأظل أدعو لكِما ، لن أنساكِم أبدا، الى أن يجمعني الله بكما في الجنّة.
          لقد كان لنا سنة حسنة في نبينا محمد (ص) في شق طريق حياته، عندما توفي والداه وهو طفل صغير، فتولى من راعاه: جده عبد المطلب ، ثم، عمه أبا طالب،  وتقبل الحياة بحلاوتها ومرارتها، الى أن بعثه الله - سبحانه وتعالى - نبياً الى البشرية جمعاء. ولنتذكر، قوله تعالى: ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) .     ( الضحى: 6) ، وقوله تعالى: ( فأما اليتيم فلا تقهر). (الضحى: 9).
      من هذه التجربة المفرحة المحزنة، نستفاد دروساً، بأن فقدان الوالدين؛ يجب ألا يكون سبباً في تشرد الأبناء أو ترك الدراسة أو التوجه الى الأماكن المظلمة . أن الحياة لا تتوقف بوفاة الوالدين، لمن أراد أن يرسم مستقبله ، بل تزيد عزماً وإصراراً عن هذا تعويض الوالدين، قال الله - سبحانه وتعالى- ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ، وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير) . (سورة لقمان : 14) .


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد خضير الانباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/28



كتابة تعليق لموضوع : تخرج اليتيم بين الفرح والحزن 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net