امسح وانجح : ظاهرة تتكرر في امتحانات البكالوريا كل عام
باسل عباس خضير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باسل عباس خضير

امتحانات البكالوريا للسادس الإعدادي من المراحل المهمة في حياة الكثير من العراقيين ، فهي موجودة منذ عقود وتتكرر كل عام ويعدها البعض الأفضل من حيث المعايير والنزاهة والدقة في تصحيح وإظهار النتائج بعيدا عن الضغوط والتأثير ، فالمفروض إنها لا تخضع للمحاباة لهذا السبب او ذاك ويعدونها صعبة الاختراق ، و في البكالوريا تتنوع وتختلف أهداف الطلاب ، فمنهم من يريد النجاح والعبور لمرحلة جديدة في الحياة والبعض يصر في الحصول على أعلى المعدلات لولوج أفضل الاختيارات في الجامعات ، والعديد من الناس يحملون هموم الامتحانات سواء كانوا من عوائل الطلبة او الأقارب والأصدقاء ، فبعد كل امتحان تتوالى الاتصالات للاستفسار عن حال الأسئلة ومستوى الإجابات ، ومن حيث المنطق والمعقول فانه ليس من المتوقع إن تحظى امتحانات البكالوريا بقبول ورضا الجميع ، فالبكالوريا تزداد تعقيدا بزيادة عدد الممتحنين والتغير في المناهج وما يرافق الحياة من متغيرات ، وفي هذا العام وصل عدد الممتحنين في السادس الإعدادي إلى المليون ورغم إن البعض يعتقد إن نوعية الأسئلة الامتحانية هي أكثر العوامل تأثيرا إلا إن الملموس العلمي يشير إن عوامل اجتيازها ترتبط برغبات الطلبة وقدراتهم في أداء الامتحانات من حيث انجاز كل المناهج والاستعداد النفسي والعصبي والحركي في الإجابة ضمن الزمن المحدود ، فامتحانات البكالوريا شاملة ويفترض تكريس الجهد اللازم لأدائها والحصول على الدرجة التي تطابق الإجابات ، وما نلاحظه كل عام إن الحكم على الأسئلة تظهر بعد كل امتحانات فيقولون ( صعبة او سهلة ) ، وهو حكم غير قاطع كونه يعتمد الحكم الفردي وهو ليس الأساس ، بدليل إن الأسئلة الصعبة تظهر بعدها درجة 100 بعدد معين والأسئلة السهلة تظهر فيها نتائج بالرسوب .
ويلاحظ إن الطالب يعتمد أحيانا على قراره في مواجهة مستوى الأسئلة فيلجا بعضهم بترك القاعة الامتحانية بعد وقت قصير من توزيع الأسئلة ، و البعض الآخر يباشر في الإجابة ثم مسح كل ما كتبه وتسليم دفتر الامتحان فارغا تحت عنوان ( التأجيل ) ، والقرار من هذا النوع فردي وبمعزل عن العائلة ورضاها ولو كانت مقتنعة لقدمت طلبا مسبقا في التأجيل كحالة مرضية او غيرها من الأسباب ، و الغاية من مسح الإجابات التعويل على فرصة لاحقة للامتحان في الدور الثاني ، فتحت شعار ( امسح وانجح ) يقوم البعض بهذه الممارسة وأحيانا يتولاها ممن تنقص إجاباتهم فرع او جزء من فرع ضمن السؤال ظنا منهم إن الإجابة تحرمهم من درجة أل ( 100 ) او يعتقدون إن إجاباتهم تعرضهم لمخاطر الرسوب او الحصول على درجة متدنية لا تكافأ ما بذلوه من جهود خلال العام الدراسي ، وهناك من يرى ضرورة مسح ما كتبه كاملا خشية أن يعطوه درجة 50 حتى وان لم يجيب على جميع المطلوب ، وظاهرة ( امسح وانجح ) تتكرر كل عام ومصدرها قد يكون حقيقيا او متأثرا ببيئة الامتحان ، لان الحالة والنفسية والإدراكية تتأثر كثيرا بما يدور حوله في القاعة الامتحانية سيما عندما يتبقى عدد قليلا يواصلون الإجابات ، وهذه الظاهرة تكررت في امتحانات السادس الإعدادي لهذا العام والتي لا تزال مستمرة وتشهد نسبة معينة من حالات المسح للتأجيل .
ورغم إن ( التأجيل ) يعد من حقوق الطالب بموجب التعليمات الامتحانية التي تجيز له محاولتين خلال العام الدراسي إلا إن لها كثير من الانعكاسات والآثار السلبية على الطالب وأسرته ومن تهمهم نتائج الامتحانات ، فهي تعني من ضمن ما تعنيه امتداد العام الدراسي لقرابة السنة التقويمية لحين أداء الدور الثاني وهذا يجعل الطالب بحالة شدة وضغط لأشهر طويلة كما تجعل العائلة مشغولة بهذا الموضوع وربما يضطر الكثير للاعتماد على التدريس الخصوصي اعتقادا انه الملاذ لهذه الحالات ولغرض الحؤول دون هدر لعام دراسي ، وتتحمل المدارس ومديريات التربية والوزارة اعباءا وضغوطات من آثار المسح والتأجيل آخذين بعين الاعتبار عدد الطلبة الذين يؤدون الامتحانات ، والتأجيل للدور الثاني او العام القادم قد لا يعطي كل الثمار المتوقعة للطالب ومن يعنيهم الموضوع فرغم الاعتقاد انه فرصة لتحسين الدرجات والمعدلات ، ألا إننا نجد حالات للتراجع والحسرة على ما فات ، وليست لدينا إحصاءات دقيقة لتفاصيل هذه الحالات ولكن واقع الحال لا يشير إلى تحقيق كامل الأمنيات في الإعادة فالتقدم والتراجع احتمالات قائمة وقد تصيب او تخيب ، فمنهم من كان بإمكانهم النجاح بالمحاولة السابقة ولكنه يخفقون في المحاولة الأخرى في ظل عدم وجود ضمانة بان تكون أسئلة الدور الثاني انسب لكل المستويات ، ومن المؤسف أن نرى توجها لبعض الطلبة او عوائلهم بأن عدم الحصول على درجة تؤهلهم للقبول في المجموعة الطبية بمثابة إخفاق ، كما أن من غير المناسب أن يهدر جهد عام كامل للتعويل على عام قادم لا يمكن من خلاله السيطرة على كل المتغيرات .
أنها حالات تتكرر عاما بعد وتستوجب التصدي والقرار ، ووزارة التربية اعرف بتفاصيلها فهي من تعرف كم نسبة المعيدين في الدور الثاني بكل درس وهي أدرى بنسبة الراسبين في الأعوام السابقة ممن يؤدون الامتحان هذا العام ضمن المليون ، وبمتابعة ما يتداول بعد الامتحان لبعض الدروس ، سنجد إن ظاهرة التأجيل داخل القاعة الامتحانية تكبر وتنمو عاما بعد عام مما يجعلها بحاجة لمعالجات من الطالب والأهل والتربية ونظام الامتحانات ، وما نخشاه بهذا الموضوع لا يتعلق بالتبذير بدفتر امتحاني او جهد المصحح في الدور الثاني ، وإنما الحرص على ثروتنا من الشباب بما يمنعهم من الشعور بالفشل او الضياع والتذمر وانخفاض الرغبة في التقدم والانجاز ، وفي كل الأحوال فان الموضوع يحتاج لما يستحقه من اهتمام لان صارت ( بلا ملح ) بالتمام !! .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat