صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

التربية والإصلاح في أدعية آل محمد (عليهم السلام)   قراءة في دعاء شهر ذي الحجة
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 
  إنَّ أدعية أهل البيت (عليهم السلام) فيها دروس كثيرة تحتاج إلى تأمل ووقوف عندها؛ ليكون الداعي على بينة مما يدعو الله تعالى من جهة، ومما يجب عليه من إعداد النفس من جهة ثانية، ومسؤوليته التربوية والإصلاحية الفردية والمجتمعية من جهة ثالثة، فضلًا عن التعرُّف على مقامات هذه الأدعية المأثورة وضرورة التعريف بها والمداومة عليها.
      ومن تلك الأدعية هذا الدعاء الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) دعاء يقرأ في العشرة الأولى من أيام شهر ذي الحجة صباحًا ومساءً وما تضمَّنه  من معانٍ عظيمة، ومنها هذا الطلب لأمور أربعة من الله تعالى: ((اللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرفتها قد بلغتنيها بمنك ورحمتك .... اللهم إني أسألك أنْ تصلي على محمد وآل محمد، وأنْ تهدينا فيها لسبيل الهدى، والعفاف، والغنى، والعمل فيها بما تحب وترضى ..)).
      فالدعاء يؤكد على هذه الموضوعات الأربعة أو الصفات المباركة📖: 
١- سبيل الهداية.
٢- العفاف.
٣- الغنى.
٤- العمل بمرضاة الله ومحبته.
               ✍🏻 -١-
إنَّ سبيل الهداية والوصول إليها من أهم ما يجب على الإنسان المؤمن السعي إليه والعمل به، فالله تعالى قد جعل لنا سُبُلًا متعددة للهدية ومن أهمها القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)) [الإسراء: ٩]، فالقرآن كتاب هداية للبشرية عامة، وكل ما تضمَّنه من تعاليم تؤكد حقيقة الهداية الفردية والاجتماعية التي تلائم الفطرة الإنسانية، والهداية هو مطلب فطري إنساني فضلًا عن إيماني، وعلينا العمل على تحقيق أسبابه، والسعي إلى تذليل الصعاب تجاهه، والدعاء فيه إرشاد وبيان إلى أهمية هذه الصفة الأولى للمؤمن في مسيرته التكاملية والتربوية والإصلاحية.
                ✍🏻 -٢-
إنَّ العفة هي من أهم ما يجب انْ يتحلى بها المؤمنون والمؤمنات، فالعفة هي صيانة النفس عن المعاصي أو التفكير بها ظاهرًا وباطنًا، وقد يتبادر إلى الذهن عند ورود مصطلح (العفة) أنَّه متعلق بالنساء خاصة، بل هو متعلق بالرجال كذلك، فالعفة تطهير للنفس عن الرذائل وتحصينها من الوقوع فيها، وهو غير مختص بأحد من دون الآخر، وتحصين للجوارج كلها عن ذلك، وتحصين للقلب والفكر، ومراقبة الإنسان لنفسه وجعلها عفيفة عن الكلمة الحرام، والمال الحرام، والمكان الحرام واستغلال المنصب أو الجاه وغيرها، وما أعظمه من سبيل للصلاح والتربية والإصلاح، وقد أكد القرآن الكريم على بعض مواردها بقوله تعالى: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) [النور: ٣٠-٣١]
                ✍🏻 -٣-
  إنَّ الغنى هو حالة تعين الإنسان على الكفاف والعفاف والعمل نحو الصلاح، بل هو تحفيز نحو العمل وعدم الكسل، والمؤمنون يجب أنْ يكونوا كذلك، وعدم فسح المجال للكسل وإفقار أنفسهم وما يتعلق بذلك من آثار سلبية، فالغنى بالمال الحلال للمؤمنين له آثار فردية واجتماعية كبيرة، ومن أهمها أنَّ المؤمنين يعملون على دعم الجانب الاقتصادي والاجتماعي للأمة من خلال أداء الحقوق الشرعية، أو الإنفاق في سبيل الله تعالى، ومساعدة المحتاجين من مرضى وأيتام وأقارب، وفي كل ذلك حالة من الراحة والطمئنينة والشعور بالفلاح الدال على الغنى المعنوي للنفس، قال تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)) [المزمل: ٢٠]
                 ✍🏻 -٤-
إنَّ التأكيد على العمل الذي يرضاه الله تعالى ويحبُّه هو تأكيد على مدى الارتباط الوثيق الخاص بين العبد وربه، ومدى استجابة العبد لتعاليم ربه، بل فيه دعوة إلى التنافس على الاستجابة لله تعالى والعمل بما هو أفضل سعيًا لمرضاته ومحبته ((فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)) [الزمر: ١٧-١٨]، بل على المؤمن أنْ يسعى جاهدًا نحو كل عمل فيه رضا الله تعالى، فالدنيا دار العمل والسعي والجد والاجتهاد وليست لغير ذلك ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)) [المطففين: ٢٦]، وعلينا الحذر مما يفسد ذلك العمل بالرياء أو المَنِّ أو غيرهما بل مراعاة الإخلاص.
   أخيرًا☘️ ..
   الدعاء هو ليس مجرد كلمات يتلفَّظ بها الإنسان في زمان أو مكان معيَّن، بل هو حركة للنفس نحو التذكرة والعمل والتربية والإصلاح، فما أعظم تلك الدعوات المباركة الواردة عن الثقلين .

خادم الثقلين 
عماد الكاظمي 
الثلاثاء ١٤ ذو الحجة ١٤٤٦هج


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/11



كتابة تعليق لموضوع : التربية والإصلاح في أدعية آل محمد (عليهم السلام)   قراءة في دعاء شهر ذي الحجة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net