صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

فقه المشاركة في السلطة / ٢
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المشاركه في حكومة السلطان الجائر

قلنا أن السلطان الجائر هو الذي يحكم الناس ويدير شؤونهم ولم يكن معصوماً ولا نائباً للمعصوم ( اي المجتهد الجامع لشرائط الولاية ) ولم يكن مخوّلاً من أحدهما .
والمشاركة في حكومة السلطان الجائر حرام في الجملة إجماعاً ، والقدر المتيقن من هذه الحرمة يكون مع الاختيار وإذا كانت على محرّم .

س : هل المشاركة بحكم السلطان الجائر حرمتها ذاتية ام بالعرض ( أي حرمتها بسبب التورط في بعض المحرمات ) ..؟

اختار دام ظله القول بحرمتها الذاتية ، أي أنها حرام حتى لو لم تستلزم فعل المحرّم وذلك لوجوه :

● الوجه الاول / مقتضى الأصل ، كون ولاية الجائر تعدّي على حق المستحق الشرعي وتصرّف في حق الغير .

● الوجه الثاني / النصوص الدالة على ذلك ومنها موثقة مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل ابا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في اعمال السلطان يعملون لهم ويحبون لهم ويوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ولكنهم من اولئك .

● الوجه الثالث / ما دلّ على حرمة معونة الظالمين مطلقاً ، والسلطان الجائر أسوء مصاديق الظالمين .

● الوجه الرابع / ولاية الجائر لا تنفك عن الظلم والمعصية كما يظهر من بعض الروايات التي عبّرت عن استحالة الانفكاك بأن تناول النجوم أيسر من تجنّب المعصية في ولاية الجائر فيكون المورد مجرى لأصالة الحرمة .

وبعد أن بيّن دام ظله وجوه الحرمة الذاتية للمشاركة في حكومة السلطان الجائر ، تعرّض الى بيان الكثير من الروايات المعارضة للرأي القائل بالحرمة الذاتية ، وصنّف هذه الروايات ضمن مجاميع :

الأولى : روايات معلّلة ومقيّدة للحرمة بإرتكاب المحرّم ، ولازمها عدم الحرمة إن لم يتورط العامل مع السلطان الجائر بالحرام .

الثانية : روايات تشير الى جواز المشاركة مشروطاً بقضاء حوائج المؤمنين .

الثالثة : روايات تشير الى الجواز فيى حالة الاضطرار والتقية .

الرابعة : روايات تشير الى الجواز مطلقاً أو مع الكراهة .

ثم تعرض دام ظله الى وجوه قد ذكرها بعض الأعلام للجمع بين الدليلين المتعارضين ( اي التعارض بين الوجوه والروايات الدالة على الحرمة الذاتية وبين الروايات الدالة على الجواز بالجملة ) :

الوجه الأول : ما اختاره المحقق صاحب الشرائع وحاصله ( حمل نصوص المنع على عدم الأمن من الوقوع في الحرام ، والجواز عند الأمن ، والاستحباب عند حصول الأمر بالمعروف ) .

الوجه الثاني : لصاحب الحدائق وحاصله ( اذا كانت المشاركة لحب الدنيا ولذة الرياسة فصاحبها تشمله أخبار المنع ، أما اذا كان القصد هو محض فعل الخير فعندها يزول الاشكال ، أما عند المزج بين حب الدنيا وفعل الخير .. فقد عبّر عنها الامام في الرواية واحدة بواحدة ) .

الوجه الثالث : لصاحب الجواهر وحاصله ( حمل نصوص المنع على المشاركة في المحرّمات او الحلال الممزوج بالحرام ، وحمل نصوص الجواز على المشاركة في المباح ، وأما نصوص الترغيب فعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ أنفس المؤمنين وأموالهم وأعراضهم وادخال السرور عليهم ) .

الوجه الرابع : وهو ما اختاره دام ظله بعد أن ناقش الوجوه الثلاثة السابقة ، وحاصل الجمع هو ( أن العلاقة بين الطائفتين - المحرمة والمجوزة - هي التخصيص وليس التعارض ، وبالدقة فإنه من التخصص وذلك لزوال الحرمة من أصلها بسبب صدور الاذن في المشاركة من صاحب الحق الشرعي - في بعض الموارد - ) ..

موارد الاستثناء من حرمة المشاركة في حكومة السلطان الجائر ( مسوّغات المشاركة ) :

بعد أن اختار دام ظله الرأي القائل بالحرمة الذاتية للمشاركة في حكومة السلطان الجائر ، ثم أعطى رأيه في النصوص الواردة والدالة على جواز المشاركة في الجملة واعتبرها نصوصاً غير معارضة وإنما هي خارجة تخصصاً باعتبارها استثناءات من صاحب الحق الشرعي وليست قابلة للجمع معها بأحد وجوه الجمع .. تعرّض دام ظله الى موارد الاستثناء ومسوغات المشاركة وهي :

المورد الأول : القيام بمصالح العباد ، وهذا ما ثبت في الروايات الصحيحة ، كصحيحة علي بن يقطين قال : ( قال لي ابو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إن لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه ) ، وروايات أخرى كثيرة ..

غير أن الشيخ دام ظله أعطى تنبيهاً على العمل بهذا المسوّغ حيث قال : لا بد من مراجعة الفقيه الجامع لشرائط ولاية أمر الأمة في تطبيق هذا المورد لئلا يختلط الأمر على البعض فيتجاوز على الحدّ المشروع ، ولا يعرف ملاك هذا المسوّغ أحد أكثر من الفقيه الحاذق العارف بزمانه فلا تهجم عليه اللوابس .

المورد الثاني : ما لو توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المشاركة في سلطة الجائر .
في هذا المورد ذكر دام ظله ثلاثة آراء ، الأول ذهب الى الوجوب والثاني الى الاستحباب والثالث قد توقف إلا في المحرمات التي لا يرضى الشارع بوقوعها والتي لا تدفع الا بالولاية للجائر .

أما الشيخ دام ظله فقد فصّل بين خطاب الأمر بالمعروف وخطاب النهي عن المنكر ، أما وجوب الأمر بالمعروف فيستظهر من الأدلة تعارضه مع حرمة الولاية للجائر ولا دليل على تقديمه . أما وجوب النهي عن المنكر فيتزاحم مع حرمة الولاية ، لأننا بين منكرين ؛ المنكر المراد النهي عنه ومنكر الولاية للجائر .. وهنا تجري قواعد التزاحم والخاصة بترجيح الأهمّ . ونبّه دام ظله الى أن التزاحم هنا يكون مع دفع المنكر لا مجرد النهي عنه ، اي لابد من ضمّ القدرة على التأثير ..

المورد الثالث : الإكراه والتقية والأضطرار ، فمتى ما توعد الجائر بما يوجب الضرر على النفس أو المال أو العرض عندها يجوز المشاركة في سلطته .
والحكم بالجواز في هذا المورد ثابت في الجملة بلا خلاف نصاً وفتوى وإجماعا .. يقول الامام الرضا عليه السلام ( لما خيّرت بين قبول ذلك - ولاية عهد المأمون - وبين القتل اخترت القبول على القتل ) .

وهناك تنبيهات ذكرها دام ظله نذكر منها اثنين :

التنبيه الأول : الإكراه مسوّغ لجواز أصل المشاركة ، أما مشاركتهم في سائر المحرمات ، كشرب الخمر والفسوق والفجور فإنه لا يحلّ الا مع عدم القدرة من التخلص أو كان التخلص حرجياً ومضراً بدرجة تحل معها تلك المحرمات .. أما مشاركة الجائر في إضرار الآخرين والتعدي على حقوقهم وحرماتهم فإنه محرّم ولا يشمله هذا المورد حتى لو كان ما توعد به الجائر من الضرر أقوى مما أمر بإيقاعه بالغير . نعم إذا كان الإضرار بالغير ضئيلاً ولا يقاس بتوعد الجائر فإنه يجوز مع مراعاة الضمان وتدارك تبعة العمل . وكذا اذا كان الضرر بالغير قابلاً للتدارك والضمان لصاحبه ، وكذلك اذا كانت كل المقدمات والظروف تشير الى أن الجائر عازم على ايقاع الضرر بالغير وأن امتناع المكره لا يغير شيئاً .. غير أن هذه الاستثناءات الثلاثة ينبغي الرجوع فيها الى المجتهد الجامع للشرائط بسبب صعوبة تحديد مصاديقها والتخوف من مزالقها ..

التنبيه الثاني : قبول المشاركة قد يكون واجباً فيما اذا كان الضرر متعلقاً بالنفس ونحوها مما يهتم به الشارع بصونه ، وقد يكون قبول المشاركة رخصة لا عزيمة فيما اذا كان الضرر مباحاً كالضرر المالي وكان ممكن التحمل ولكن فيه حرج ومشقة .. وقد يكون قبول المشاركة حراماً اذا كان الضرر مباحاً كدفع المال وكان تحمله بدون حرج ومشقة .
يتبع


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/08



كتابة تعليق لموضوع : فقه المشاركة في السلطة / ٢
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net