صفحة الكاتب : سلام محمد العبودي

الديمقراطية المفرطة والتشرذم السياسي
سلام محمد العبودي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يرتفع شعار ترشيد النفقات, في المرحلة الراهنة, بالنظر لانعكاسها على فاعلية وأداء البرلمان, في الوقت الذي توجد فيه, برلمانات دولية أخرى, عددها أقل ومجالس تتجه للتقليص, نجد من العراق ما يعاكس ذلك, حيث تتكاثر الاحزاب المشاركة, ويزداد أعضاء البرلمان طردياً.

منذ سقوط النظام الدكتاتور صدام الدكتاتوري، دخل العراق مرحلة جديدة, من النظام السياسي التعددي، قائم على التعددية الحزبية والديمقراطية, وقد كان هذا التحول موضع ترحيب, من قبل غالبية الشعب العراق, الذي عانى لعقود, من حكم الحزب الواحد والاستبداد, لكن مع مرور الوقت، بدأت مظاهر أخرى للتعددية الحزبية, تفرز نتائج سلبية لا سيما مع تضخم؛ عدد الأحزاب السياسية في البلاد, بشكل غير مسبوق، حتى باتت هذه الظاهرة تُوصف أحيانًا بأنها "تعددية مشوّهة".

تشير البيانات الرسمية, إلى أن عدد الأحزاب المسجّلة, لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات, تجاوز 260 حزبًا سياسيًا حتى عام 2024، منها العشرات تظهر وتختفي دون أثر يُذكر؛ بينما تنشط أخرى فقط قبيل الانتخابات, هذا العدد الكبير من الأحزاب, بالنسبة إلى عدد السكان, الذي يبلغ (حوالي 43 مليون نسمة), يعد غير طبيعي، لا سيما وأن كثيرًا من هذه الأحزاب؛ تفتقر إلى البرامج السياسية الواضحة، والقاعدة الجماهيرية الحقيقية، والتنظيم المؤسساتي المتماسك, مما سَبَّب تضخماً كبيراً.

يمكن حصر ذلك في, الفراغ السياسي بعد 2003 وانهيار النظام القديم, مما خلق فراغًا كبيرًا، سارع كثير من الفاعلين السياسيين والعشائريين, لملئه بتشكيل كيانات حزبية, لسهولة تسجيل الأحزاب, والقوانين العراقية التي تنظم الحياة الحزبية, التي تتيح تسجيل الأحزاب, بشروط سهلة نسبيًا، ما شجّع على انتشارها,

المحاصصة الطائفية والأثنية, أصبح تشكيل الحزب أداة للحصول, على حصة في الدولة، مما شجّع الجماعات المختلفة, على تأسيس أحزاب, تمثّل طوائفها أو القومية, إضافة لضعف الرقابة القانونية والتمويل,حيث لا تخضع الأحزاب, لرقابة مالية صارمة، ما سمح بوجود كيانات "ورقية" شكليه, تُستخدم لأغراض تجارية أو سياسية ظرفية.

رغم أن التعددية الحزبية, تُعدّ ركيزة من ركائز الديمقراطية، فإن المبالغة فيها دون تنظيم فعّال, يمكن أن تضر بالعملية السياسية, بل أضر بها فعلا, من خلال أبرز تلك الآثار, تشتيت الصوت الانتخابي, تتوزع الأصوات على عدد كبير من الأحزاب؛ مما أدى إلى برلمان مُشَرذَم, يصعب فيه تشكيل تحالفات مستقرة, وصعوبة تشكيل الحكومات, التي غالبًا ما تتأخر في التشكيل؛ بسبب كثرة الكتل, والمساومات السياسية المعقدة, إضافة لضعف البرامج السياسية, لمعظم الأحزاب التي, تفتقر لبرامج حقيقية؛ وتتمحور حول الزعامات الشخصية, أو الولاءات الضيقة, مما أدى إضعاف ثقة المواطن العراقي, الذي أخذ يشعر بالحيرة والضياع, أمام كثرة الخيارات غير المقنعة، مما يؤدي إلى عزوفه عن المشاركة السياسية.

الحلول لهذه المعضلة, لا تكمن في تقليص عدد الأحزاب, بقرار إداري أو قسري، فهذا يتناقض مع المبادئ الديمقراطية، لكن يمكن تحسين المشهد الحزبي, عبر مجموعة من الإجراءات, كما يرى كثيراً من المختصين, بتعديل قانون الأحزاب, ورفع شروط تأسيسها, وربطها بالتمثيل الشعبي الحقيقي والتمويل الشفاف, وتشجيع الاندماج من خلال منح حوافز, للأحزاب الصغيرة للاندماج ضمن تكتلات, أكبر وأكثر فعالية, للتوعية التربية السياسية تأثير إيجابي, لدى المواطن حول أهمية, البرامج السياسية وليس فقط, الانتماءات الطائفية أو الانتماءات العشائرية, و تقديم الدعم للأحزاب التي تعتمد, على مؤسسات حقيقية وبرامج وطنية واضحة.

تجربة ديمقراطية معقدة تُعدّ فريدة من نوعها؛ لكن تعدد الأحزاب بشكل مفرط, يشكِل عبئًا على النظام السياسي, بدل أن يكون عامل إثراء, وتنظيم الحياة الحزبية, وضبط آليات عملها، مع احترام التعددية والتنوع، هو السبيل الأمثل, لتحقيق الاستقرار السياسي والإصلاح الحقيقي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلام محمد العبودي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/05



كتابة تعليق لموضوع : الديمقراطية المفرطة والتشرذم السياسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net