الدكتور نزار الحيدري مثال الأدب والعلم
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

إنَّ الحديث عن الأدب والعلم يعني الحديث عن تكامل الإنسان في مسيرة وجوده، فلا يخفى عظمة هاتين الصفتين ومقامهما في تربية الإنسان، وبناء شخصيته وتنميتها، وهما يلائمان الفطرة الإنسانية؛ لذا نرى مدى اعتناء تعاليم الشريعة الإسلامية المقدسة والعقل فيهما، ويكفي في ذلك الآيات المباركة المتعددة، والروايات الشريفة المختلفة.
وإنَّ اجتماعهما في إنسان يعدُّ فضلًا وتوفيقًا عظيمًا من الله تعالى يهبه مَنْ يستحقه، وصاحب هذه السطور التي آليتُ على نفسي كتابتها، كان مثالًا لذلك.
لقد كان إنسانًا مؤمنًا مجدًّا في خدمة الدين من صغره، وفي شبابه وحتى كهولته؛ حيث تلك الآثار العظيمة للتربية الأسرية الدينية والأخلاقية التي هي أساس شخصيته..
فلم ينسَ مدينته الكاظمية المقدسة وأزقَّتها ومساجدها ومدارسها ومعالمها وعلمائها الذين له بكل واحدة منها ذاكرة طيبة منتظمة، حاول التذكرة بها، والتعريف بمفاصلها في مناسبات مختلفة؛ ليستنشق هذا الجيل عبق ذلك الماضي العريق برجاله وآثارهم الطيبة.
كان سديد الرأي والمشورة، ويطرح ما يعرفه بهدوئه المشوب بأدب وعلم وتواضع كبير، وهو يقبل الرأي الآخر ويناقشه بمثل ذلك، فلا ينظر إلى عمر قائله، أو بيئته أو انتمائه، بل يستمع إلى عقله ورأيه.
عرفته عن بُعد المسافة المادية التي تقاس بوحداتها المعهودة في سنوات معدودات وكأني أعرفه من سنين طوال، فكان مثال العالم والمؤمن والمثقف الذي لا ينسلخ عن مبادئه الدينية والتربوية.
كان رحمه الله خير مشجِّع لأعمالنا الشخصية المتواضعة التي أنشرها على صفحات الأحبة والمجموعات تارة، وما يتم نشره على صفحات مركز الكاظمية لإحياء التراث تارة أخرى، فتراه ذلك المستمع المنصت لما يُنشر، وذلك المربِّي لغيره بأدبه وعلمه، من خلال متابعته الحثيثة، ودعمه المعنوي.
جلسنا اليوم في مجلس تأبينه بالحسينية الحيدرية في الكاظمية المقدسة وروحه تحوم في هذا المكان الذي له معه ذكريات العمر الجميل، ولَبَنات البناء الأصيل، إذ قضى فيها شطرًا من حياته بين جدران محراب صلاتها، وصفحات مؤلفات مكتبتها، وهو ينهل من معينها التقوى والعلم والأدب.
لقد رأيت في وجوه كثير من المعزِّين الأسى لرحيل بقايا ذلك الجيل الذي لا أظن أنْ يأتي الزمان بمثله، وقرأت في قلوبهم الذكريات الجميلة التي تربطهم به، ويخشون انقطاعها أو نسيانها.
ختامًا ..
إنَّ وجود أولئك الرجال بين الناس إنما هو درس لهم في العمل والمثابرة والإخلاص، وإنَّ رحيلهم إنما هو درس للخلود بالأدب والعلم والذكر الطيب، وما أعظمهما من درسَيْن عظيمين من دروس الحياة. والسلام
خادم الثقلين
عماد الكاظمي
الخميس ١ ذو الحجة الحرام ١٤٤٦هج
٢٩-٥-٢٠٢٥م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat