من مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء / ( القنطرة البيضاء)
اسعد عبد الرزاق هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد عبد الرزاق هاني

تعلمت حقيقة مهمة وأنا أسجل هذه الحوارات قبل بدأ مشروعي التدويني لهذه السلسلة من الحوارات، بأن الكلام النابع من القلب لا ينسى أبدا، كنت أشعر بصعوبة أن أتذكر كل المحاورات التي تتخفى في الذاكرة وربما يلاشى الكثير منها، انتابتني فرحة عامرة وأنا اتعرف على حقيقة أهم، وهي أن الذاكرة النائمة عرضة للاستفزاز الدائم فأي حدث، أو حديث عابر يمر عليها قادر على إنهاضها، ليجعلها تتذكر كل ما دار، نشر اليوم أحد الأصدقاء صورة على صفحته بالفيس بوك، صورة القنطرة البيضاء وكتب تحتها: من يعرفها، وما اسم هذه القنطرة؟
هذه الصورة أيقظت في ذاكرتي حوارا، بدأته بالحديث عن قداسة هذه القنطرة، قلت اسأله بعض أهلنا يقولون أن الإمام عليه السلام مر عليها بعسكره وأقام عليها، قال الأستاذ عبد الرزاق الحكيم تنوعت المصادر التي تروي تاريخ هذه القنطرة قسم منهم يري أن القنطرة شيدت قبل 450 سنة فقط بناها سليمان القانوني، ولا صلة لها بالتأريخ الإسلامي القديم، بعد فتح نهر الحسينية بأمر سليمان القانوني، وبدأ ببناء عدة قناطر ومنها القنطرة البيضاء من أجل تسهيل المرور بين ضفتي النهر، قلت مع نفسي لا أعتقد أن أهلنا لا يعرفون الفارق الزمني بين زمن الإمام علي عليه السلام وزمن بناء القنطرة كي يتوهمون، وكأن الأستاذ كان يقرأ ما يدور برأسي فقال:
ـ يرى بعض المؤلفين في كتاباتهم عن القنطرة، أن التأريخ تحدث عن قنطرة سورى، مر الإمام علي عليه السلام على طريق خان النخيلة يعني خان الربع صلى في الخان وأتجه إلى كربلاء من جوار منطقة مقام صاحب الزمان عليه السلام متوجها إلى منطقة الحر، قلت لو تسمح لي أستاذ أنا منذ صغري أؤمن أن الكلام الموروث من أهلنا لا بد أن يكون وسيلة للاستدلال الصحيح وبما أن القنطرة غير مقدسة اسأل كيف ربط الناس قدسيتها بالأمام علي عليه السلام، أجابني بهدوء:
ـ نعم كلامك صحيح لكننا نتحدث عن استنتاجات المؤلفين ولم نتحدث عن بقية الآراء، أنا سأحدثك الآن عن ما يرويه التأريخ في قراءة أخرى، يروي الناس الكبار من مشايخ المنطقة، أن من الخطأ النظر إلى التواريخ، لأنه لا يمكن لهذا الفارق الزمني أن يعطينا إلا النكران مثلما كتبها بعض المؤلفين، القضية هي في السبب الذي جعلهم يختارون هذا المكان وهذا الأمر سيعرفنا بانهم اختاروا المكان المقدس الموجود منذ قرون وهو مقام صلاة الإمام علي عليه السلام هنا، أثناء التوجه إلى صفين، وهذا يعني أن الكتب المنشورة عن القنطرة أقل خبرة من التراث، وعلينا أن لا نروج لمثل هذه الكتب أو على الأقل نبين للناس الصحيح وأعجب فعلا لماذا لا تدرس مثل هذه المواقع الأثرية للطلاب
المهم قلت مع نفسي دعني أستثمر وجود الأستاذ وأسأل عن بقية الجوانب الأخرى لماذا سميت القنطرة بالقنطرة البيضاء، أعتقد أن شكل القنطرة ليس أبيضا والبعض يبرر الاسم بلون القنطرة وهذا غير صحيح، أجابني الأستاذ وهو يبتسم:
ـ لا علاقة للتسمية باللون لكن الذي يرويه كبار الناس من المعمرين الذين توارثوا المعلومات في زمن كان هناك اهتماما كبيرا لمثل هذه التفاصيل، إنها كانت محل لبيع البيض، وقيل أن الباعة ساهموا أن يتركوا أرباحا لتعمير القنطرة وإدامتها فالقنطرة تعرضت للعديد من عمليات التجديد، قلت أستاذ وما قضية المنائر التي في أركان القنطرة؟ أجابني الأستاذ، تنصب المنائر في الزوايا والأركان لأنها تحتوي أعمدة أو أكتاف من الجص والآجر، تسليط أكبر وزن ممكن من الأثقال من أجل الاستقرار، وجميع مواد البناء هي محلية، ولم تستخدم الأخشاب لأنها غير متوفرة،
قلت أستاذ الذي أعرفه أن أهلنا ينظرون إلى القنطرة البيضاء نظرة فخر وكأن هنا دارت معارك كبيرة أو تمثل النصر الكربلائي، قال الأستاذ نعم هنا وعلى هذه القنطرة دارت معارك كبيرة في واقعة دونتها التواريخ باسم المراخور، والأهالي يلفظونها المناخور بين العثمانيين وأهالي كربلاء، لأن كربلاء أعلنت العصيان على الاتراك وقتلت المتولي فتح الله خان وبعده قتلوا علي افندي، وتهدم أثر المعركة جزء كبير منها، فقام السيد النهري بالاستعانة بالمعماري محمد بن علي اسطة قاسم البناء بإعادة الجزء المتهدم من بنائها، وثم بناء أسس للجدران وتم تعميرها بنفس مواد البناء القديمة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat