حقائق الأمور لا تلغيها أوهام المتآمرين
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

كتبت شيماء العماري بتاريخ 22/5/2025 تحت عنوان (بين العبث الدبلوماسي والسقوط الجيوسياسي) تناولت فيه بعض النقاط المتعلقة بالتعاطي السياسي للحكومة التونسية في عهد الرئيس قيس سعيد، رأيت من الضروري الرّدّ عليه تبيانا لحقائق تجاهلتها الكاتبة التي ادّعت أنها دكتورة، فيما ظهر من تهافتها واسفاف تعابيرها أنّها منتحلة صفة مزورة أو إذا تسامحنا مع ادعائها شهادة عليا، أن مجال اختصاصها لا يتناسب مع ما عبّرت به عن فكر ضحل وتصوّرات خاطئة في تناول بعض القضايا السياسية.
توهّمت شيماء أن تونس شهدت تحولا دراماتيكيا في سياستها الخارجية، اعتبرته تراجعا غير مسبوق عن قيمها الدبلوماسية، واصفة إياها بالعراقة عبر التاريخ، بخروجها عن مبدأ الحياد الاستراتيجي، بعيدا عن الصراعات الجيوسياسية المعقدة والقضايا الدولية الحساسة، مُرْجعة ذلك إلى مسار سياسي ضيق نتيجة تفرّد في الحكم وما سيستتبعه حسب تصورها من تخبط سيفتح المجال الى صراعات داخلية واحتجاجات شعبية، نتيجة فشل في حل الازمات الاقتصادية، وانفصام عرى الارتباط بصندوق النقد الدولي.
نسيت أو تناست الكاتبة أن ما عبّرت عليه التحول الدرامي، وتراجع في تقاليدها الدبلوماسية ليس كما رأته بمخيّلتها القاصرة، وإنّما هو تصحيح مسار كان خاضعا لتأثير فرنسي غربي عشنا تحت تأثيره منذ تاريخ الاستقلال، إلى فترة قريبة من انتخاب الرئيس قيس سعيد، وخروجه عن تقاليد بالية من العمالة خلال فترتي حكم بورقيبة وبن علي، جاء من باب بداية مراجعة سياسات التبعية للغرب والتخلص من تقليدها البالية.
الكاتبة رأت في العلاقات التونسية الإيرانية، شماعة لتعلّق عليها مبررات هجومها على الرئيس قيس سعيد ونظامه، ويبدو أنّ وضعها اسم ايران في مقالها هذا، هدفها من ورائه استفزاز مشاعر المغفّلين من أبناء وبنات شعبنا- فاقدي الثقافة الإسلامية الأصيلة- الذين مازالوا واقعين تحت تأثير دعايات الدول الغربية، بزعامة أمريكا المعادية لإيران، والمشيطنة لنظامها الإسلامي، حيث ترى الكاتبة بقاء تونس في المستنقع الغربي الآسن، خير من التوجّه الشرقي اقتصاديا - الصين نموذجا - وتعديل سياسات البلاد بما يضفي عليها صبغة جديدة من الحريّة، والانعتاق من مسار عقيم، ظل مهيمنا بكل سلبية على مدى 75 عاما تقريبا.
وما ذنب إيران إذا مدّت يديها وضحّت بمواردها وامكانياتها، من أجل مقاومة عدوّ صهيوني شرس، مدعوم من دول الغرب، بعدما وقع محورها في انتكاسة ظرفية، وخيانة ابتليت بها فصائلها، حتى تصفها الكاتبة بنفوذها المنهك في الشرق الأوسط، وانهيار قوى حليفيها حزب الله وحركة حماس، كأنّما في ذلك تهمة أو خطأ استرتيجي، ما كان عليها فعله، والحال أن ما فعلته إيران خلال 45 عاما، لأجل الدفع بالقضية الفلسطينية، نحو السبيل الوحيد لنيل حقوقها المشروعة، وكان مسارا ذا جدوى عملية، لم تقُم به الدول العربية الإسلامية مجتمعة.
وما الذي عابته الكاتبة من تطور العلاقات التونسية الإيرانية، من تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين، تجتمع دوريا لتطويرها، والنظر في تسهيل تلك المعاملات، ومن نتائجها الغاء التأشيرات بالنسبة للتونسيين من الجانب الإيراني، قابلته تونس بنفس المبادرة الأخوية؟
وكأني بالكاتبة قد عبّرت هنا، عن رغبة في عودة تونس إلى صف الدول المرتهنة لسياسات دول الغرب، وصندوق نقدها الدولي، الذي لم تقترض منه دولة، الا وقعت تحت سيطرته ونفوذه، فلم تفلح بعد ذلك أبدا، وتجاربنا السابقة خلال فترتي حكم بورقيبة وبن علي، تؤكد سلبية هذا الصندوق في تعامله الخاطئ مع الدول المستدينة له، في فرض سياساته الاستعمارية عليها.
والعجيب هنا كيف تصف الكاتبة سياسة الرئيس قيس سعيد بأنها على منهج ولاية الفقيه، بما يثبت لقارئ مقالها، أنّها تريد فقط الإساءة إلى تونس من ناحية، وتشويه مبدأ ولاية الفقيه، كنظام إسلامي متكامل الأركان منتخب المؤسسات، أثبت نجاعته وحقق أهدافه في النموّ والحرية، وليت تونس تختار هذا النهج السياسي، قاطع أيدي القوى الغربية عن إيران.
ان ما استفزّ أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وأغضبهم، زيارة المواساة الأخوية التي قام بها الرئيس قيس سعيد، لأداء واجب التعزية، بعد المصيبة التي مني بها الشعب الإيراني، باستشهاد رئيسه السيد رئيسي ووزير خارجيته وحرّك بيادقهم، خصوصا تلك التي لجأت إلى أمريكا وأوروبا، واستوطنت هناك كعقارب متآمرة، رافعة شوكات سموم أكاذيب دعاياتها، على أمل احداث شرخ بين الحكومة والشعب التونسي، من شأنه أن يتسبب في أزمة ثقة، يبني عليها الغرب مؤامراته.
وما وجه العيب في مجيء مسؤولة إيرانية، لتقدّم للرأي العام التونسي في إطار التبادل الثقافي، ندوة بعنوان: (مكانة المرأة في المجتمع الحديث.. التجربة الإيرانية والتجربة التونسية)، هذه المرأة هي نائبة رئيس الجمهورية الإيرانية، في زمن قياسي حركت فيه الدوائر الغربية الاستعمارية المعادية للتجربة الإسلامية الإيرانية بيادقها وأدواتها، لتثير زوبعة وهمية منددة بها، على أساس أن ذلك يعتبر تراجعا عن مكاسب المرأة التونسية، وثوابت مجلة الأحوال الشخصية، وانتقاصا من كرامة النساء، كأنما التجربة الإيرانية محاولة متخلفة عن ركب الحضارة، وهي الرائدة في مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية، عيب التجربة الإيرانية الوحيد - حسب تصوّر القوى الغربية المريض والمعادي- التزامها الكامل بأحكام الإسلام، وهذا ما دعا أعداء الإسلام إلى استنفار أزلامهم وأذنابهم، من أدعياء الثقافة الغربية المعادية للإسلام، لشن هجمات على التجربة الإسلامية الإيرانية، من أجل تشويه مصداقيتها بشتى الأكاذيب والدعايات الباطلة، كما روّجت الدوائر الغربية الإستعمارية حادثة وفاة امرأة كردية، متحدّية لأحكام الإسلام، معلنة تمرّدها عليه، ماتت حتف نفسها في قاعة مركز أمني أمام كاميرا مراقبة، اتخذت منها شماعة، لاتهام ايران بقمع حريات النساء، ومنعهن من السفور والتبرّج، ودعوتهن بالالتزام بلباس التقوى الذي دعا اليه القرآن، وعلى أيّة حال فالمرأة الإيرانية عموما، ساهمت في انتصار الثورة الإسلامية، ودافعت عن مشروع بلدها الإسلامي دفاع المرأة الواعية الوفيّة لمبادئها أصولا وخيارات، ولا معنى لمن هاجم مشروع بلادها بشراسة حاقد، سوى أنّه متآمر عليه، بالدعوة إلى التخلّي عنه، لفائدة ثقافة غربية، متحررة من أداب الدين والورع من نزغ شياطين الانس.
أما بالنسبة للشأن المغاربي وعلاقة تونس بالأشقاء المغاربة، فمبنية على أساس احترام السياسات العامة لكل بلد، فتونس لم تتدخل في قرار المغرب بالتطبيع مع إسرائيل، فذلك شأن مغربي، مع أنّه يمسّ من مشروعنا المغاربي بسوء، حيث لا يخفى ما يشكله هذا الكيان الصهيوني المعادي للإسلام والمسلمين، من خطر ليس على فلسطين – التي تخلى عنها النظام المغربي – بل حتى على بقية الدول العربية والإسلامية، وما دعاه للقيام بذلك هو الطمع في الحصول على تأييد أمريكي صهيوني بشأن مغربية الصحراء، على حساب الشعب الصحراوي المقاوم للإستعمار الاسباني أولا، والاستعمار المغربي أخيرا.
وتستمر حالة التحريض على كل صوت يرتفع بالحقّ، مناديا إلى القيم الإنسانية المبنية على الأحكام الإسلامية، إلى أن يحقّ الله الحق بكلماته بجهود أوليائه، كما قال جل شانه: (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat