صفحة الكاتب : وفاء الطويل

صِفْ لِي عَلِيًّا (ضرار الصُّدائي) 
وفاء الطويل

هو ضرار بن حمزة الضّبائي من خواصّ الإمام عليّ عليه السّلام فصيح المقال طلق اللسان، هذا ما ذكرته أكثر المصادر الإسلامية، قال في شأنه الشريف الرضي والذين شرحوا النهج من بعده: إنَّ ضرار بن ضمرة كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومن خاصته وهو من أهل الزّهد والعبادة.
اختلفوا في اسم أبيه أهو ضرار بن حمزة، أو حمرة واختلفوا أيضًا في لقبه الضّبابي، أو الضّبائي، أو الصّدائي، أو الصّدي وقيل الصّحيح هو الضّبابي.
هو من ذكر لمعاوية جملةً من أوصاف الإمام علي (عليه السلام) بما نصّه:
عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة على معاوية، فقال له: يا ضرار صف لي عليًّا، فقال: أو تعفني، قال: لا أعفيك قالَها مرارًا.
فقال:  (ا)
(أَمَّا إِذْ لا بُدَّ مِنْ وَصْفِه،) نستشف من المقدمة ظرف النص وقائله، وحساسية الموقف، وعظمة الموصوف في ظل ظروف صعبة شديدة.
جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا» (2) 
عنه (صلى الله عليه وآله): «يا علي، ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري» (3)
وعنه (صلى الله عليه وآله): «ما عرفك يا علي حق معرفتك إلا الله وأنا» (4) 
فكيف لمثل أمير المؤمنين عليه السلام أن يوصف.
وإنما قال ضرار تلك المعاني العظيمة التي كانت تجيش في فكره وعقله محاولةً لبيان العديد من المقاصد التي لا يمكن لمتفكر في عظمة علي عليه السلام أن يحيط بها.
 (فَكَانَ وَاللهِ بَعِيدَ الْمَدَى)
بعيد المدى: لا يُدرَك، واسع، عظيم، كبير، لا تحده مسافات الفكر لعظمته
 (شَدِيدَ الْقُوَى)
تناص قرآني، استعار النص القرآني ليمنح خطابه قوةً بالغةً، والمراد بشديد القوى وصفه عليه السلام بالقوة الإلهية الفائقة التي لا تضاهى بشيء 
 (يَقُولُ فَصْلا)
يقول الفصل، أي أن كلامه سلام الله عليه بين واضح، به قطع الحكم وبيانه.
والفصل مفردة قرآنية أيضًا، وردت في العديد من السور وبالعديد من المعاني
(وَيَحْكُمُ عَدْلا)
الحكم العدل إشارة إلى ما ورد في الحديث الشريف، عن رسول الله صل الله عليه وآله 
«يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء» (5)
فكان عليه السلام منهاج العدالة كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله
والعدل من أرقى الصفات الكمالية، وهي صفة مضادة للظلم، وقد وصف الله تعالى به نفسه في أكثر من آية
(يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ)
صورة أدبية بلاغية رائعة دقيقة الوصف
تفجر العلم، تشبيه العلم بالعيون التي تتفجر من جنبات أمير المؤمنين عليه السلام، وبها دلالة على عظمة علوم أمير المؤمنين عليه السلام
وتطابق لما رود عن رسول الله صلى الله عليه وآله «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه» وهناك بيان عظيم في القرآن العظيم ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ (6)
(وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ) انزياح رائع وبليغ، حيث جسد الحكمة 
فأصبحت هي التي تنطق من نواحيه
والناحِيَة: الجانبُ والجهة، أي أن الحكمة تنطق من أكنافه وأطرافه وجميع جهاته
وقد تجلت حكمة أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه وأقواله وأفعاله فهي أمر لا يختلف عليه اثنان.
(يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ)
صورة من صور التضاد استخدمها ضرار للانتقال بذهن المتلقي إلى الحالة التي يعيشها أمير المؤمنين عليه السلام
الوحشة: الانقطاعُ والخلوة والبُعْدُ عن الملذات وهي ضد الاستئناس الذي هو بمعنى استبشار القلب والفرح بمحضر الجمال.
وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام عن الدنيا معرضًا ويتضح ذلك في قوله عليه السلام: (يا دنيا غري غيري، إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوقت، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثًا لا رجعةً فيها)
وكانت عادته في عبادته الانقطاع لله عز وجل والاستئناس به سبحانه والذوبان التام في ذاته.
(وَكَانَ وَاللهِ غَزِيرَ الْعِبْرَةِ)
يصف حالة أمير المؤمنين (عليه السلام) في خشوعه لله سبحانه  
وقد ورد في خشوعه (عليه السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان علي إذا قام إلى الصلاة، فقال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) تغير لونه، حتى يعرف ذلك في وجهه» (7).
- في تفسير القشيري: أنه - أي علي (عليه السلام) - كان (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل، فقيل له: ما لك؟
فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان في ضعف، فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا.
(طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ،)
وكأن ضرار يريد أن يخبرنا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان طويل السكوت كثير التفكر، ليسَت لهُ راحَة 
(يَعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشُبَ)
توصيف ببلاغة السجع والأجراس الذي يشد المتلقي شدًّا فينجذب له دون ملل، بل بتفكر في بيان المعنى.
(كَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَيُنَبِّئُنَا إِذَا اسْتَنْبَأْنَاهُ)
أخلاق الأنبياء والأوصياء يخبرنا ضرار عن تواضع أمير المؤمنين مع المؤمنين والمحتاجين لا مع الطغاة المتكبرين، فقد كان معهم لين الجانب سهل التعامل.
(وَنَحْنُ مَعَ تَقْرِيبِهِ إِيَّانَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ لِهَيْبَتِهِ، وَلا نَبْتَدِئُهُ لِعَظَمَتِهِ، 
يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ)
ويحدثنا عن الهيبة الروحية والمعنوية التي تحلّى بها أمير المؤمنين عليه السلام فله هيبة خاصة استثنائية، هيبة لا تدانيها هيبة.
ويظهر لنا رأفة أمير المؤمنين ورحمته وعطفه على المساكين كما يتجلى ذلك بوصاياه.
«لا تحقروا ضعفاء إخوانكم، فإنه من احتقر مؤمنا لم يجمع الله عز و جل بينهما في الجنة إلى أن يتوب».
(لا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ)
لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام ومازال مشروع العدالة ومنشأها وموردها
فحين عُوتب على تسويته توزيع المال بين الناس من بيت المال دون الالتفات إلى الأحساب والأنساب قال: «وَالله مَا أطْور بهِ ما سَمر سَمِير» (8)
 أي والله لا أقع في هذا الأمر أبد الآبدين.
(وَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سَدُولَهُ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَيَقُولُ: 
«يَا دُنْيَا، غُرِّي غَيْري إِلَيَّ تَعَرَّضت، أم إِلَى تشوقت، هيهات هيهات! قد باينتك (أي طلّقتك طلاقًا بائنًا) ثلاثًا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق!»)
هكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام 
مصداقًا لقوله تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (9)
سيد تعجز الألباب والألسن عن إدراك كنهه وإحصاء فضائله، وهو من قال 
«كانت في علي سنة من ألف نبي» (10) فحق ألا يعرفه إلا الله ورسوله 
أي ألف نبي من الأنبياء، من آدم أبو البشر، وإبراهيم، ونوح، وموسى وعيسى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله فعلي سلام الله عليه خلاصة هؤلاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله «يا جندب من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سياحته، وإلى أيوب في صبره وبلائه، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل) 
نص ارتجالي بلاغي إبداعي بامتياز
تميز بجزالة المفردات وقوة المعاني التأثيرية كما أسهم الجرس والجمل الموسيقية في زيادة جماليته، ومحاكاة المعاني ودلالة الألفاظ، ليبين ما ينطوي عليه من إيحاء ومحاكاة تنفذ لعمق المتلقي.


المصادر
1) - المصدر: 1001 قصة من حياة الامام علي (عليه السلام) ص429
2) - مختصر بصائر الدرجات: 125، تأويل الآيات الظاهرة: 1 / 139 / 18 وص 221 / 15، مشارق أنوار اليقين: 112.
3) - المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 267.
4) - إرشاد القلوب: 209.
5) -  ابن المغازلي: مناقب علي بن أبي طالب، ص 129 و130.
6) - سورة البقرة آية 189
7) - فلاح السائل السيد ابن طاووس 101
8) - ابن أبي الحديد: شرح النهج، كلام (124)
9) - سورة السجدة آية 16
10) - بصائر الدرجات ص 134


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وفاء الطويل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/12



كتابة تعليق لموضوع : صِفْ لِي عَلِيًّا (ضرار الصُّدائي) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net