صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

 بين العمالة والغباء خيط رفيع من الوعي
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 معتوه السياسة الأمريكية دونالد ترامب كما يجب أن يلقّبه كل عارف بشطحاته التي ما فتئ يقوم بها خصوصا خلال فترته الرئاسية الحالية، والتي أثارت جدلا واسعا وأسالت كثيرا من التعليقات عبر من خلالها مُسْتَهدفوه عن عميق استيائهم من قراراته التي أعلنها، والمشطّة بحق دول العالم جميعها دون استثناء، حتى تلك الخاضعة لسياساته، لم تسلم من تهريجه وشططه، الذي يعتبره معْبرًا لاقتصاد بلاده نحو هيمنته العالمية، والتربّع مجددا على اقتصادات الدول الأخرى رغما عن الصين.

غزوة الرئيس الأمريكي المزمع القيام بها إلى الخليج، من 13 إلى 16 من هذا الشهر (مايو)، أعلن بأسلوبه المتطرّف الشّاذ عن الاعتدال في السياسة، أنّه يحمل في أخبارا سارة ومفاجأة كبرى، من دون أن يفصح عن فحواها، تاركا أمر التكهّن بها، لمن مازال يعتقد أنّ ترامب يُرجى منه خير، وهؤلاء في العادة عملاؤه في المنطقة، الذين بالغ في الإستخفاف بهم، وإذلال أنظمتهم واحتقار حكامهم، ومع ذلك لم يستوعبوا رديء وعار ما رماهم ووصفهم به.

قرُب إذا موعد زيارة ترامب لأبقاره الحلوبة، وهي ليست واحدة كما يتبادر إلى ذهن القارئ- كما عبّر عنها في فترة رئاسته السابقة – بل هي هذه المرّة ثلاثة أبقار حلوبات سيذهب اليها كراعي بقر أبيض أصيل سلالة رعاة، أجازوا لأنفسهم مصطلحا تبيّن أنه لائق بهم، لعلّ ذلك عائد إلى حجم الغنيمة التي سيحظى بها، فالسعودية التي أطلق عليها بقرة حلوبا متى ما جف ضرعها سيذبحها، تليها الإمارات العربية وقطر بقرات سمان، يدررن ما شاء الله لأمريكا من منافع حليب غزير، كناية عن محاصيل صفقات مبيعاتهم النفطية والغازية، ما يزيد من تمركزها وهيمنتها على بقية دول العالم، واجبارها على متابعته والرضوخ لأحكامه الجنونية، أما بقية دول الخليج الفارسي كالبحرين والكويت، فهي بالدرجة الثانية من اهتمامات منطقه الأرعن، أنهما أقل حجما من الابقار، وليس بمقدورهن أن يعطين كما تُعطي الدول الثلاثة المشار إليها.

وقد ذهب الغباء بمن لاذ بركنه، إلى استشراف ما يمكن أن يخبّئه الرئيس الأمريكي من مفاجأة، ما قيل بشأن تغيير اسم الخليج الفارسي إلى الخليج العربي، كأنّما أصبح لترامب القدرة على تغيير ما لا يمكن أن يتغيّر في واقع أبدا، ولو اجتمعت له دول العالم بأسره، باعتبار ذلك تزويرا لمصطلح جغرافي تسمى به الخليج الفارسي، عندما كانت الامبراطورية الفارسية مهيمنة على كامل المنطقة، وكانت البحرين تابعة حتى القرن الماضي، بمعنى آخر أن السواحل المطلة عليه أغلبها فارسي، فلا معنى لتسميتها بالخليج العربي، سوى أنّ دافعا مريضا دعا بعض العرب المتنطّعين بقوميتهم كبعثيي العراق، على اطلاق الإسم على الخليج تعنصُرا وقلبا لأصل تمسيته، وهي كمصطلح لا تشكل أي خطر على العرب في بلدانهم شانها في ذلك كتسميات المحيط الهندي الذي لا ترى فيه الصين أي باعث للقلق بشأنه، ولا ظهر من ظهر منها يدعو إلى تسميته محيط الصين.

نعم قد يلتجئ ترامب إلى القيام بذلك أمام هؤلاء الغوغاء، فاقدي الثقافة والعلوم الإنسانية، والفرحون المغتبطون لكل شاذ، ولكنّهم ومن سيصفقون له على هذا الجنون، لن يفلحوا في تزوير شيء من تاريخ تسمية الخليج الفارسي، صدى تسمية لا تزال كامنة في عقول من يراها في توهّمه حقيقة، مثال على ذلك الصحفي ( رفيق عبد الله) / جريدة الصباح افتتاحية صباح الخير بتاريخ 8/5/2025 /10 ذو القعدة 1446 العدد 24260 السنة 75) عنما كتب مبشرا بإمكانية أن تكون المفاجأة تغيير اسم الخليج، فاستبق قلمه ولسانه – لا اشك في ذلك – إلى تسميته بالخليج العربي، وهذا من سخافة العقل واسفاف الرأي، وعادة ما يذهب اعلاميو قوم تُبّع، إلى انتهاج أساليب ملتوية، للظفر بمبتغى ما يُضمرون، ولو كان ذلك على حساب التاريخ والواقع، وحقائقهما التي لا يجب أن تُزوّر.

ويتملّكني العجب العجاب من اعلاميين عرب، كيف سوّلت لهم أنفسهم، ترقّب احتمال خير سيقدم به الرئيس الأمريكي، وهم يعلمون يقينا أنّه سوف لن يأتي بخير أبدا، ولو جاء بشيء يُحْتّمل من ذلك القبيل، فيجب حمله على عكسه وخلافه، هذا وغزّة لا تزال مثالا حيّا شاهدا على غطرسة ترامب وأمريكا، فهو يتعامل مع ما يجري فيها من فظائع وحرب إبادة، تماما كتعامل ناتنياهو بلا فرق، فمن يزود الجيش الصهيوني بالأسلحة والذخائر، لا يختلف عمّن يطلقها على الغزاويين.

ما يجب أن يدركه هؤلاء الصحافيين، أن أمريكا ودول الغرب لن تقدّم للعرب شيئا مفيدا لهم، بإمكانه أن يخرجهم من حضيض التخلف والعمالة، إلى مكانة أرفع تتسابق إليها الشعوب الحيّة المتحفزة لتغيير حالها إلى الأحسن، وعليه وعلى بقية العرب القانعين بتموضعهم البائس، أن يحترموا أنفسهم أوّلا فلا يذهبوا بها إلى أماني الغرب الواهمة، ويراعوا عقول الناس وثقافاتهم الثابتة، التي لن تغيّرها تسويفات ولا تأمّلات من ركبته أوهام التغيير الكاذبة، المطلقة دعاياتها من جهة الغرب، وهو أسوأ تغيير تكون ضحيته شعوب عربية لا تدري إلى أين يؤخذ بها للرّعي أم إلى الذبح.

من التوصيات الترامبية المؤكدة قبل قدومه، ضمانة أن تكون صفقته القادمة الأكبر في تاريخ أمريكا، فمجلس التعاون الخليجي سيبحث ضمن جدوله، نصيب كل عضو فيه من المبالغ الضخمة التي ستُصَبّ في الخزانة الامريكية طواعية دون استعمال أساليب أخرى بإمكان ترامب أن يفعّلها، فرقاب أنظمة هذه الدول بيده متى ما شاء غيرها دون عناء، وعندما تجتمع العمالة والغباء في ساحة الغوغاء فليس هناك من أمل يُرْتجى لحلّ أي معضلة أو اشكال، لتبقى دار لقمان على حالها. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/08



كتابة تعليق لموضوع :  بين العمالة والغباء خيط رفيع من الوعي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net